ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم أبي، فقالوا له: اجعل لنا يومًا ولهم يومًا، وطلبوا أن يكتب لهم بذلك، فهمّ النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ودعا عليًّا ليكتب فقام الفقراء وجلسوا ناحية. [قلت]: ولهذا أشار سعد بقوله: فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إنما مال إلى ذلك طمعًا في إسلامهم وإسلام قومهم ورأى أن ذلك لا يفوّت أصحابه شيئًا ولا ينقص لهم قدرًا فمال إليه فأنزل الله تعالى:{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} الآية.
(قال) سعد: (وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما) أي أذكر اسمهما أي وكنت أنا وهؤلاء المذكورون ممن طلبوا طردهم (فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله) تعالى (أن يقع) في قلبه (فحدّث) النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الذي وقع في قلبه (نفسه) الشريفة والذي وقع في قلبه أن يجعل لهم يومًا ولفقراء الصحابة يومًا كما ذكرنا آنفًا (فأنزل الله عزَّ وجلَّ: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}[الأنعام / ٥٢] فنهاه عما همَّ به من الطرد لا أنه أوقع الطرد ووصف أولئك الفقراء بأحسن أوصافهم وأمره أن يصبر نفسه معهم بقوله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ}[الكهف / ٢٨] فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآهم بعد ذلك يقول: "مرحبًا بقوم عاتبني الله فيهم" ذكره السيوطي في الدر المنثور [٥/ ٣٨١] وعزاه لابن جرير والطبراني وابن مردويه بلفظ: "الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معهم" وإذا جالسهم لم يقم عنهم حتى يكونوا هم الذين يبدؤون حوله بالقيام، وحديث سعد هذا أصح إسنادًا من الروايات الأخرى وأخرجه ابن ماجه في الزهد باب مجالسة الفقراء [٤١٨٠].
وقوله:(يدعون ربهم بالغداة والعشي) قيل: معناه يدعون ربهم بالغداة بطلب التوفيق والتيسير، وبالعشي قيل معناه بطلب العفو عن التقصير، وقيل معناه يذكرون الله بعد صلاة الصبح وصلاة العصر، وقيل يصلون الصبح والعصر، وقال ابن عباس رضي الله