قال: نعم هذا أبي وهذا عمي، قال:"فأنا من قد علمت، وقد رأيت صحبتي لك فاخترني أو اخترهما" فقال زيد: ما أنا بالذي أختار عليك أحدًا أنت مني بمكان الأب والعم، فقالا: ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك؟ قال: نعم إني قد رأيت من هذا الرجل شيئًا ما أنا بالذي أختار عليه أحدًا، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أخرجه إلى الحجر فقال:"اشهدوا أن زيدًا ابني يرثني وأرثه" فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت أنفسهما، وانصرفا فدُعي زيد بن محمد حتى جاء الله بالإسلام اهـ من الإصابة [١/ ٢٤٥ و ٢٤٦] وكان زيد يُكنى أبا أسامة بابنه أسامة بن زيد.
قوله:(ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد) فكان التبني معمولًا به في الجاهلية والإسلام يتوارث به ويتناصر إلى أن نسخ الله ذلك كله بقوله: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} أي أعدل فرفع الله تعالى حكم التبني ومنع من إطلاق لفظه وأرشد بقوله أعدل إلى أن الأولى أن ينسب الرجل إلى أبيه نسبًا، ولو نُسب إلى أبيه من التبني فإن كان على جهة الخطأ وهو أن يسبق اللسان إلى ذلك من غير قصد فلا إثم ولا مؤاخذة لقوله تعالى:{وَلَيسَ عَلَيكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ}[الأحزاب / ٥] أي لا إثم فيه عليكم ولا يجرى هذا المجرى إطلاق ما غلب عليه اسم التبني كالحال في المقداد بن عمرو فإنه غلب عليه نسب التبني فلا يكاد يُعرف إلا بالمقداد بن الأسود، فإن الأسود بن عبد يغوث كان قد تبناه في الجاهلية فعرف به فلما نزلت الآية قال المقداد: أنا ابن عمرو، ومع ذلك فبقي ذلك الإطلاق عليه ولم يسمع فيمن مضى من عصى أي اعتبره عاصيًا لله، مطلق عليه دهان كان متعمدًا وليس كذلك الحال في زيد بن حارثة فإنه لا يجوز أن يقال فيه زيد بن محمد فإن قاله أحد متعمدًا عصى لقوله تعالى:{وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}[الأحزاب / ٥] أي فعليكم فيه الجناح والله تعالى أعلم، ولذلك قال بعده:{وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا}. وقوله:{فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} أي فانسبوهم إليكم نسبة الأخوة الدينية التي قال الله تعالى فيها: "إنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخْوَةٌ"[الحجرات / ١٠] والمولوية التي قال فيها: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[التوبة: ٧١] وقد تقدم أنه يطلق لفظ مولى على المعتِق والمعتَق وابن العم والناصر، وكان زيد قُتل بمؤتة من أرض الشام رضي الله عنه ورحمه سنة ثمان من الهجرة، وكان النبي صلى الله