حمراء الشدقين بيضاء الشدقين فإنه كان يكون أبلغ في التقبيح، وعائشة إنما ذكرت هذا الكلام تقبيحًا لمحاسن خديجة وتزهيدًا فيها وإنما معنى هذا عندي والله أعلم أنها نسبتها إلى حمراء الشدقين من الكبر وذلك أن من جاوز سن الكهولة ولحق سن الشيخوخة وكان قويًّا في بدنه صحيحًا غلب على لونه الحمرة المائلة إلى السمرة والله تعالى أعلم.
وقولها:(قد أبدلك الله خيرًا منها) تعني بخير أجمل وأشب تعني نفسها لا أنها خير منها عند الله وعند رسوله لما تقدم من الأحاديث التي ذكرناها في صدر الكلام وكونه صلى الله عليه وسلم لم يتزوج على خديجة إلى أن ماتت يدل على عظيم قدرها عنده ومحبته لها وعلى فضل خديجة أيضًا لأنها اختصت برسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يشاركها فيه أحد صيانة لقلبها من التغيير والغيرة ومن مكابدة الضرة اهـ من المفهم.
قوله:(فأبدلك الله خيرًا منها) تمسك به بعض العلماء في إثبات فضل عائشة على خديجة رضي الله تعالى عنهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم سكت على قولها فكأنه أقره، ولكن هذا الاستدلال ليس بصحيح لأنه ثبت في رواية أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على قول عائشة هذا، وذلك فيما رواه أحمد والطبراني من طريق أبي نجيح عن عائشة فقلت:(أبدلك الله بكبيرة السن حديثة السن فغضب، حتى قلت: والذي بعثك بالحق لا أذكرها بعد هذا إلا بخير) وبهذا الحديث تبين أن عائشة لم تقصد فضيلة نفسها على خديجة في الدين وفي أحكام الآخرة، وإنما أرادت خيريتها من جهة حداثة السن وحسن الصورة.
وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث سبعة: الأول: حديث عبد الله بن جعفر ذكره للاستدلال به على الترجمة، والثاني: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث عبد الله بن أبي أوفى ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث عائشة ذكره للاستشهاد، والخامس: حديث عائشة الثاني ذكر فيه ثلاث متابعات، والسادس: حديث عائشة الثالث ذكره للاستشهاد، والسابع: حديث عائشة الأخير ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم.
وصلنا إلى هذا المحل قبيل صلاة العشاء في ليلة الثلاثاء تاريخ ٧/ ٥ / ١٤٢٧ هـ.