بالاتفاق لكن حملها على اقتحام ذلك الغيرة التي تورث صاحبها الدهش والحيرة اهـ من المفهم، قال القاضي عياض: قال المهلب: تحيل حفصة في الإكثار منه صلى الله عليه وسلم يدل على أن القسم عليه غير واجب لأنها لم تفعل إلا ما أباحه لها، وليس قوله بالبين لأن القائل بوجوب القسم لا يمنع حديث الأخرى في وقت غير معتاد للقسم لأن السير والحديث لم يدخل في القسم فهي وعائشة فيه سواء فأرادت حفصة أن تستكثر من السير والحديث معه، ولو كان ذلك حقًّا لعائشة لكان لحفصة مثله وليس على حفصة في ذلك درك لأنها طلبت الخير لنفسها وليس حقًّا واجبًا لغيرها، وسيره صلى الله عليه وسلم مع حفصة وحديثه معها بعد معرفته بها دليل على جوازه ولو كان غير جائز لم يقره ولم يسامح فيه كما لم يسامح في تمريضه في بيت عائشة إلا بإذن منهن مع جواز ذلك كله اهـ من الأبي.
(فغارت) عائشة على تحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لحفصة وسيره معها (فلما نزلوا) في الليل للتعريس (جعلت) أي شرعت عائشة أن (تجعل رجلها بين الأذخر) كأنها لما عرفت أنها الجانية على نفسها فيما أجابت إليه حفصة أعتبت نفسها على تلك الجناية (والإذخر) نبت معروف طيب الرائحة توجد فيه الهوام غالبًا في البرية اهـ فتح الباري (وتقول: يا رب سلط عليّ عقربًا أو حية تلدغني) أي تلذعني، قال القاضي: هو دعاء بغير نية حملتها عليه الغيرة فهي غير مؤاخذة به ولا تجاب في الغالب قال الله تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ} الآية اهـ من الأبي، قال القرطبي: هذا دعاء منها على نفسها بعقوبة لما لحقها من الندم على ما فعلت ولما تم عليها من الحيلة ولما حصل لها من الغيرة وهو دعاء باللسان غير مراد بالقلب اهـ مفهم، وتقول: هو محمد صلى الله عليه وسلم (رسولك ولا أستطيع) أي لا أقدر (أن أقول له شيئًا) من العتاب واللوم لأن العتاب على نفسي لأنها الجانية على نفسها حيث أجابت حفصة إلى ما دعت إليه. قولها:(رسولك) بالرفع على أنه خبر لمبتدأ تقديره هو رسولك كما قررناه في الحل، ويجوز النصب على تقدير فعل تقديره أُبرئ رسولك على الجناية عليّ أو لا ألوم رسولك وإنما لم تتعرض لحفصة لأنها هي التي أجابتها طائعة فعادت على نفسها باللوم اهـ فتح الباري.