وليس ذلك بلازم لأنه يحتمل أن يكون المراد من النساء في هذا الحديث نساء زمنها.
وقال السبكي الكبير: الذي ندين الله به أن فاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة، والخلاف في ذلك شهير، ولكن الحق أحق أن يُتبع وهو ما قلنا، وقال ابن تيمية: جهات الفضل بين خديجة وعائشة متقاربة وكأنه رأى التوقف، وقال ابن القيم: إن أريد بالتفضيل كثرة الثواب عند الله فذلك أمر لا يُطلع عليه فإن عمل القلوب أفضل من عمل الجوارح وإن أريد كثرة العلم فعائشة لا محالة وإن أُريد شرف الأصل ففاطمة لا محالة وهي فضيلة لا يشاركها فيها غير أخواتها وإن أُريد شرف السيادة فقد ثبت النص لفاطمة وحدها وقد أخرج الطحاوي والحاكم بسند جيد عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حق زينب ابنته لما أُوذيت عند خروجها من مكة: "هي أفضل بناتي أصيبت فيّ" اهـ فتح الباري [٧/ ١٥٩].
قال القرطبي: ولا شك أن أكمل نوع الإنسان الأنبياء ثم يليهم الأولياء ويعني بهم الصديقين والشهداء والصالحين، وإذا تقرر هذا فقد قيل إن الكمال المذكور في الحديث يعني به النبوة فيلزم أن تكون مريم وآسية نبيتين وقد قيل بذلك، والصحيح أن مريم نبية لأن الله تعالى أوحى إليها بواسطة الملك كما أوحى إلى سائر النبيين، وأما آسية فلم يرد ما يدل على نبوتها دلالة واضحة بل على صذيقيتها وفضيلتها فلو صحت لها نبوتها لما كان في الحديث إشكال فإنه يكون معناه أن الأنبياء في الرجال كثير وليس في النساء نبي إلا هاتين المرأتين ومن عداهما من فضلاء النساء صديقات لا نبيات وحينئذٍ يصح أن تكونا أفضل نساء العالمين، والأولى أن يقال إن الكمال المذكور في الحديث ليس مقصورًا على كمال الأنبياء بل يندرج معه كمال الأولياء فيكون معنى الحديث إن نوعي الكمال وُجدا كثيرًا في الرجال ولم يُوجد منه في النساء المتقدمات على زمانه صلى الله عليه وسلم أكمل من هاتين المرأتين ولم يتعرض النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فضلًا لأحد من نساء زمانه إلا لعائشة خاصة فإنه فضلها على سائر النساء ويستثنى منهن الأربع المذكورات في الأحاديث المتقدمة وهن مريم بنت عمران وخديجة وفاطمة وآسية فإنهن أفضل من عائشة بدليل الأحاديث المتقدمة في باب خديجة وبهذا يصح الجمع بين الأحاديث ويدفع التعارض قوله:(كفضل الثريد على سائر الطعام) قال