(جارية أبي زرع) وأمته أذكر شأنها (فما جارية أبي زرع) أي فمن يعرف قدرها ومنزلتها هي (لا تبث) بالباء الموحدة من البث وهو الإظهار والإشاعة أي لا تنثر (حديثنا) أي أخبارنا في الأجانب (تبثيثًا) أي نشرًا وإشاعة وهو مصدر لبثث المضعف من غير لفظ عامله أتى به لتأكيده وصفتها بكتمان ما تسمعه من حديثهم، وهذا يدل على عقلها وأمانتها، ويروى بالنون وهو بمعنى الأول يقال: نث الحديث إذا أفشاه، وفي الصحاح بث الخبر وأبثه إذا أفشاه ونثه بالنون ينثه بالضم كذلك وأنشد:
إذا جاوز الاثنين سر فإنه ... ينث وتكثير الوشاة قمين
(ولا تنقث) أي لا تنقص (ميرتنا) أي طعامنا طعام البيت الذي نأكل منه (تنقيثًا) أي تنقيصًا بصرفه وإخراجه في غير مصارفه بغير إذننا كالإهداء والهبة للناس، أصل التنقيث الإسراع يقال: خرجت أنقث بالضم أي أسرع السير وكذلك أنتقث، والميرة بكسر الميم الطعام يمتار من موضع إلى موضع، وصفتها بالأمانة في الطعام لا تخرجه من البيت بغير إذننا وحافظة له (ولا تملأ بيتنا تعشيشًا) أي قمامة وكناسة رُوي بالعين المهملة من عش الطير والتعشيش كناية عن ترك القمامة في البيت، والمعنى أنها تتعهد بيتنا بالنظافة والكنس ولا تترك كناسة في البيت بل تهتم بتنظيف البيت وإزالة القمامة منه ولا تملأه بالقمامة حتى صارت كأنها أعشاش الطير، ورُوي بالغين المعجمة (تغشيشًا) أيضًا من الغش والخيانة أي لا تخوننا في شيء من ذلك ولا تترك النصيحة في شغل البيت.
(قالت) أم زرع: (خرج أبو زرع) يومًا من البيت (والأوطاب) أي والحال أن أوطاب لبننا وأوانيه وحلابه (تمخض) بضم التاء وسكون الميم وفتح الخاء على صيغة المبني للمجهول أي يجعل لبنها مخيضًا لاستخراج الزبدة منه، والأوطاب جمع وطب بفتح الواو وسكون الطاء وهو من الجموع النادرة فإن (فعلا) في الصحيح قياسه في القلة أن يأتي على أفعل وفي الكثرة على فعول كفلس وأفلس وفلوس وهي أسقية اللبن (وتمخض) بمعنى تحرك ليخرج زبدها وكان يفعل ذلك عادة في الصباح الباكر فكأنها أرادت أن أبا زرع خرج مبكرًا، ويحتمل أن يكون مخض الأوطاب كناية عن زمن