فإذا غللتموها جئتم بها يوم القيامة وكفى لكم بذلك شرفًا عند الله تعالى.
(ثم قال) ابن مسعود لعثمان ومن معه (على قراءة من تأمروني أن أقرأ) القرآن إذا تركت قراءتي (فـ) والله (لقد قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم) من فيه إلى فمه (بضعًا وسبعين سورة) أي ثم قال لهم على سبيل الإنكار ومن هو الذي تأمرونني أن آخذ بقراءته وأترك مصحفي الذي أخذته من في رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله لقد قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أو تسعة أو ما بينهما وسبعين سورة اهـ نووي.
قال القاضي عياض: هذا الحديث وقع في مسلم مبتورًا على وجه لا يشرح مقصود الحديث وذكره ابن أبي خيثمة من رواية أبي وائل وهو شقيق راويه في مسلم بطريق يُفهم منها معناه قال: لما رأى عثمان حرق المصاحف ما عدا المصحف الذي بعث نسخته إلى الآفاق ووافقه على ذلك الصحابة لما رأوا من أن بقاءها يُدخل اللبس والاختلاف في القرآن ذكر ابن مسعود الغلول وتلا الآية ثم قال: إني غال مصحفي فقال: لأصحابه من استطاع منكم أن يغل مصحفه فليفعل فإن الله يقول: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[آل عمران: ١٦١] على قراءة من تأمروني أن أقرأ، أأقرأ على قراءة زيد؟ لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعًا وسبعين سورة، وزيد له ذؤابتان يلعب مع الصبيان.
قال القرطبي: معنى قوله غلوا مصاحفكم أي اكتموها إلى أن تلقوا الله بها كما يفعل من غل شيئًا فإنه يأتي به يوم القيامة ويحمله وكان هذا رأيًا منه انفرد به عن الصحابة رضي الله عنهم ولم يوافقه أحد منهم عليه فإنه كتم مصحفه ولم يظهره ولم يقدر عثمان ولا غيره عليه أن يظهره، وانتشرت المصاحف التي كتبها عثمان واجتمع عليها الصحابة في الآفاق وقرأ المسلمون عليها وتُرك مصحف عبد الله وخفي إلى أن وُجد في خزائن بني عبيد بمصر عند انقراض دولتهم وابتداء دولة المعز فأمر بإحراقه بها صدر الدين قاضي القضاة على ما سمعناه من بعض مشايخنا فأُحرق.
وقوله:(على قراءة من تأمروني أن أقرأ) إنكار منه على من يأمره بترك قراءته ورجوعه إلى قراءة زيد بن ثابت مع أنه سابق له إلى حفظ القرآن وإلى أخذه عن رسول اللهْ