صلى الله عليه وسلم فصعُب عليه أن يترك قراءة قرأها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقرأ بما قرأه زيد أو غيره فتمسك بمصحفه وقراءته وخفي عليه الوجه الذي ظهر لجميع الصحابة رضي الله عنهم من المصلحة التي هي من أعظم ما حفظ الله بها القرآن عن الاختلاف المخل به والتغيير بالزيادة والنقصان، وكان من أعظم الأمور على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن الصحابة رضي الله عنهم لما عزموا على كتب المصحف بلغة قريش عينوا لذلك أربعة لم يكن منهم ابن مسعود فكتبوه على لغة قريش ولم يُعرّجوا على ابن مسعود مع أنه أسبقهم لحفظ القرآن ومن أعلمهم به كما شهدوا له بذلك غير أنه رضي الله عنه كان هذليًا كما تقدم وكانت قراءته على لغتهم وبينها وبين لغة قريش تباين عظيم فلذلك لم يدخلوه معهم والله تعالى أعلم اهـ من المفهم.
قوله:(بضعًا وسبعين) قال المازري: البضع والبضعة من العدد، قال ابن السكيت: هما بفتح الباء وكسرها واختلف مدلولهما، قال الهروي: والعرب تستعملها فيما بين الثلاثة إلى التسعة، وقال قتادة: هما من الثلاثة إلى التسعة والعشرة، وقال أبو عبيد: هما من الواحد إلى الأربعة، وقال الأخفش: من الواحد إلى العشرة، وقال الفزاء: هو ما دون العشرة، وقال ابن عباس: من الثلاث إلى العشرة، قال ابن الأنباري: يقال في عدد المؤنث بضع وفي عدد المذكر بضعة مجرى خمس وخمسة وست وستة، وأما البضعة من اللحم وهي القطعة منه فبفتح الباء لا غير وجمعها بضع، والجميع مشتق من البضع وهو القطع.
ثم قال ابن مسعود:(و) الله (لقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أعلمهم بكتاب الله) تعالى يعني أعلمهم بأسباب نزوله ومواقع أحكامه بدليل الرواية الأخرى ما من كتاب الله سورة إلا وأنا أعلم حيث نزلت وما من آية إلا وأعلم فيما أنزلت، وسبب ذلك ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم ومباطنته إياه سفرًا وحضرًا كما قدمنا، وأما في القراءة فأُبيّ منه بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:"أقرؤكم أُبيّ" والخطاب للصحابة كلهم رواه أحمد [٣/ ١٨٤](ولو أعلم أن أحدًا أعلم مني لرحلت إليه) قال القاضي عياض: فيه ذكر الرجل حال نفسه ومنزلته من العلم وشبهه من الفضائل