وتعجب لا إنكار تهمة ولا تكذيب لما يعلم من حفظه وعلمه وفضله ولما يعلم أيضًا من فضلهم ومعرفتهم بحاله ولذلك بين لهم الموجب لكثرة حديثه وبين أنه شيئان أحدهما أنه لازم النبي صلَّى الله عليه وسلم ما لم يلازموا فحضر ما لم يحضروا.
وثانيهما بركة امتثال ما أرشد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من بسط ثوبه وضمّه إلى صدره فكان ذلك سبب حفظه وعدم نسيانه فقد حصلت لأبي هريرة ولأمه من بركات رسول الله صلى الله عليه وسلم وخصائص دعواته ما لم يحصل لغيره ثم إن أبا هريرة رضي الله عنه لما حفظ علمًا كثيرًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحقق أنه وجب عليه أن يبلغه غيره وقد وجد من يقبل عنه ومن له رغبة في ذلك تفرغ لذلك مخافة الفوت ومعالجة القواطع أو الموت ثم إنه لما المه الإنكار همَّ بترك ذلك والفرار لكنه خاف من عقوبة الكتمان المنبه عليها في القرآن ولذلك قال لولا آيتان في كتاب الله ما حدّثت حديثًا ثم تلا قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} الآيتين اهـ من المفهم.
قوله "وأحفظ إذا نسوا" وقد شهدوا له بذلك فقد روى البيهقي في مدخله من طريق أشعث عن مولى لطلحة قال كان أبو هريرة جالسًا فمرّ رجل بطلحة فقال له لقد أكثر أبو هريرة فقال طلحة قد سمعنا كما سمع ولكنه حفظ ونسينا ذكره الحافظ في الفتح [٨/ ٧٧] وأخرج البخاري في التاريخ والبيهقي في المدخل من حديث محمد بن عمارة بن حزم أنه قعد في مجلس فيه مشيخة من الصحابة بضعة عشر رجلًا فجعل أبو هريرة يحدّثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديث فلا يعرفه بعضهم فيراجعون فيه حتى يعرفوه ثم يحدثهم بالحديث كذلك حتى فعل مرارًا فعرفت يومئذ أن أبا هريرة أحفظ الناس ذكره الحافظ في الفتح [١/ ٢١٤].
وأخرج الحاكم في المستدرك [٣/ ٥١٠] بسند صحيح أقرّه الذهبي عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه أنه قال كان أبو هريرة جريًّا على النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن أشياء لا نسأله عنها وأخرجه أيضًا أحمد في مسنده [٥/ ١٣٩] وأخرج الحاكم أيضًا عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رجل لابن عمر إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن عمر أعيذك بالله أن تكون في شك مما يجيء به ولكنّه اجترأ وجبنَّا اهـ.
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: