بالتوبة ولازم الطريق المستقيم والحاصل أن قوله اعملوا ما شئتم بشارة بكونهم موفقين في المستقبل بالأعمال الصالحة وبأنه لا يصدر من أحدهم ذنب إلا وسوف يوفق للمبادرة إلى التوبة فيغفر له ذلك وليس المراد أنهم قد أبيح لهم ارتكاب المعاصي كما هو ظاهر خطاب الحديث ثم المغفرة الموعودة لهم في الحديث متعلقة باحكام الآخرة ولا تنافي أن يستحق أحدهم الحد أو التعزير إذا اقترف ما يوجبه وقد وقع ذلك فعلًا حيث ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مسطح بن أثاثة وكان بدريًا نبَّه عليه النووي.
(فأنزل الله عزَّ وجلَّ) في قصة حاطب ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ})[الممتحنة: ١]، فشهد الله لحاطب بهذه الآية بالإيمان كما مر في ترجمته (وليس في حديث أبي بكر وزهير ذكر) هذه (الآية وجعلها) أي جعل هذه الآية (إسحاق في روايته من تلاوة سفيان) بن عيينة لا من نفس الحديث بل مدرجة من سفيان كأن قال إسحاق في روايته "قال سفيان فأنزل الله عزَّ وجلَّ" إلخ وفي حديث حاطب هذا أبواب من الفقه وأدلة على صحة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى فضائل أهل بدر وحاطب بن أبي بلتعة فمن جملة ما فيه من الفقه أن ارتكاب الكبيرة لا يكون كفرًا وأن المتأول أعذر من العامد وقبول عذر الصادق وجواز الاطلاع من عورة المرأة على ما تدعو إليه الضرورة ففي بعض رواياته أنهم فتشوا من المرأة كل شيء حتى قبلها ومنه ما يدل على أن الجاسوس حكمه بحسب ما يجتهد فيه الإمام على ما يقول مالك وقال الأوزاعي يعاقب وينفى إلى غير أرضه وقال أصحاب الرأي يعاقب ويسجن وقال الشافعي إن كان من ذوي الهيئات كحاطب عفي عنه وإلا عزّر اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [١/ ٧٩] والبخاري في مواضع كثيرة منها في الجهاد باب الجاسوس [٣٠٠٧] وأبو داود في الجهاد باب في حكم الجاسوس إذا كان مسلمًا [٢٦٥٠ و ٢٦٥١] والترمذي في التفسير باب ومن سورة الممتحنة [٣٣٠٢] ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث علي رضي الله عنه فقال: