ولقد أبلغ من قال: قلما يفلح من كان له عيال لكن لطف الله به ونجاه لما علم من صحة إيمانه وصدقه وغفر له بسابقة بدر وسبقه اهـ من المفهم.
(فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر (إنه) أي إن حاطبًا ليس بمنافق فإنه (قد شهد بدرًا) أي وقعتها (وما يدريك لعلَّ الله) ولعل هنا بمعنى أن فتكون للتحقق لا للترجي لما قال العلماء إن الترجي في كلام الله وكلام رسوله للتحقق ويشهد لذلك ما وقع عند أحمد وأبي داود وابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة بالجزم ولفظه "إن الله اطلع على أهل بدر إلخ" وما وقع في رواية الباب من الترجي فإنه في معنى الجزم أيضًا ذكره الحافظ في الفتح [٧/ ٣٠٥] والمعنى وما يدريك ويعلمك يا عمر أن الله (اطلع على أهل بدرٍ فقال) لهم (اعملوا) في المستقبل (ما شئتم) من الذنوب غير الشرك (فقد غفرت لكم) ما سيقع منكم بلا استغفار فإنه إذا وقع يقع مغفورًا لا يكتب عليهم وهذا الذي ذكرنا معنى ظاهر هذا الحديث لكن استشكله العلماء بأن ظاهره إباحة الذنوب لهم وليس مرادًا بالإجماع فحمله أبو الفرج ابن الجوزي وغيره على الماضي وذكر أن المراد أن الله تعالى قد غفر لهم جميع ذنوبهم السابقة ولكن هذا الجواب فيه تكلف ظاهر فإن صيغة الأمر لا يمكن حملها على الماضي لأنها لا تستعمل إلا للمستقبل وأحسن ما فسّر به الحديث ما ذكره الحافظ عن القرطبي قال وقد ظهر لي وجه آخر وأنا أستخير الله فيه وهو أن الخطاب في قوله "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" خطاب إكرام وتشريف تضمن أن هؤلاء حصلت لهم حالة غفرت بها ذنوبهم الماضية وتأهلوا لأن يغفر لهم ما يستأنف من الذنوب اللاحقة إن وقعت منهم لا أنهم نجزت لهم في ذلك الوقت مغفرة الذنوب اللاحقة بل لهم صلاحية أن يغفر لهم ما عساه أن يقع بأن وفقوا التوبة إذا وقعت لا أنها تغفر بلا توبة ولا يلزم من وجود الصلاحية لشيء ما وجود ذلك الشيء إذ لا يلزم من وجود أهلية الخلافة وجودها لكل من وجدت له أهليتها وكذلك القضاء وغيره من المناصب وعلى هذا فلا يأمن من حصلت له أهلية المغفرة من المؤاخذة على ما عساه أن يقع منه من الذنوب وقد أظهر الله صدق رسوله في كل ما أخبر به فإنهم لم يزالوا على أعمال أهل الجنة إلى أن فارقوا الدنيا ولو قدر صدور شيء من الذنوب من أحدهم لبادر