أي جحدًا وإنكارًا لحقية دين الإسلام (ولا ارتدادًا) أي رجوعًا إلى الشرك (عن ديني) دين التوحيد الحنيفي (ولا رضًا) أي حبًّا (بالكفر) والشرك (بعد) دخولي في (الإسلام) الملة الحنيفية (فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق) هذا الرجل أي أخبر لنا خبرًا صادقًا لا شك ولا نفاق فيه.
وروى ابن شاهين والبارودي والطبراني من طريق الزهري عن عروة عن عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة وقال حاطبٌ رجل من أهل اليمن وكان حليفًا للزبير وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شهد بدرًا وكان بنوه وإخوته بمكة فكتب حاطب من المدينة إلى كبار قريش ينصح لهم فيه إلخ وروى قصته ابن مردويه من حديث ابن عباس فذكر معنى حديث علي وفيه فقال: يا حاطب ما دعاك إلى ما صنعت فقال يا رسول الله كان أهلي فيهم فكتبت كتابًا لا يضر الله ورسوله ذكره الحافظ في الإصابة (فقال عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (دعني) أي اتركني (يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق) وأقتله بالجزم على جواب الطلب قال الحافظ في الفتح [٨/ ٦٣٤] إنما قال ذلك عمر مع تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاطب فيما اعتذر به لما كان عن عمر من القوة في الدين وبغض من ينسب إلى النفاق وظنّ أن من خالف ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم استحق القتل لكنه لم يجزم بذلك فلذلك استأذن في قتله وأطلق عليه منافقًا لكونه أبطن خلاف ما أظهر وعذرُ حاطب ما ذكره فإنه صنع ذلك متأولًا أن لا ضرر فيه اهـ.
وعبارة القرطبي هنا وإنما ألق عليه عمر اسم النفاق لأن ما صدر منه يشبه فعل المنافقين لأنه والى كفار قريش وباطنهم وهمّ بأن يطلعهم على ما عزم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوهم مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان دعا فقال اللهم أخف أخبارنا عن قريش لكنّ حاطبًا لم ينافق في قلبه ولا ارتدّ عن دينه وإنما تأول فيما فعل من ذلك أن اطّلاع قريش على بعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم لا يضرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخوف قريشًا ويحكى أنه كان في الكتاب تفخيم أمر جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهم لا طاقة لهم به يخوفهم بذلك ليخرجوا عن مكة ويفروا منها وحسن له هذا التأويل تعلق خاطره بأهله وولده إذ هم قطعة من كبده.