الأعرابي بتغير لون وجهه (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما (إن هذا) الأعرابي (قد ردّ) عليّ (البشرى) التي بشرته بها (فاقبلا) ها (أنتما فقالا قبلنا) ها (يا رسول الله) وفيه استحباب قبول البشارة والتبرك بإبشار الصالحين وقوله "أكثرت عليّ من أبشر" قال القاضي لو صدر هذا القول من مسلم كان ردةً لأن فيه تهمته صلى الله عليه وسلم واستخفافًا بصدق وعده وإنما صدر ممن لم يتمكن الإسلام من قلبه ممن كان يستألف من أشراف العرب وجاء أنه من بني تميم وهم الذين نادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات ونزل فيهم "وأكثرهم لا يعقلون" اهـ أُبِّي.
(ثمّ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح) إناء واسع الفم ضيق القعر (فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه) أي في ذلك القدح ومضمض فمه (ومجَّ فيه ثم قال) لهما (اشربا منه) أي من هذا الماء (وأفرغا) أي صبَّا منه (على وجوهكما ونحوركما) أي صدوركما (وأبشرا) بكل خير (فأخذا) أي فأخذ أبو موسى وبلال (القدح ففعلا ما أمرهما به رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادتهما أم سلمة من وراء الستر) والحجاب بقولها (أفضلا لأمكما) أي أبقيا لها (مما في إنائكما) شيئًا منه لتشربه (فأفضلاها) أي تركا لها في الإناء (منه) أي مما في الإناء (طائفة) أي بقيةً.
"وقول النبي صلى الله عليه وسلم أبشر ولم يذكر له عين ما بشره به" لأنه والله أعلم قصد تبشيره بالخير على العموم الذي يصلح لخيري الدنيا والآخرة ولما جهل ذلك رده لحرمانه وشقوته ولما عرض ذلك على من عرف قدره بادر إليه وقبله فنال من البشارة الخير الأكبر والحظَّ الأوفر وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وكونه صلى الله عليه وسلم غسل وجهه في الماء وبصق فيه وأمره بشرب ذلك والتمسح به مبالغة في إيصال الخير والبركة لهما إذ قد ظهرت بركته صلى الله عليه وسلم فيما لمسه أو باشره أو اتصل به منه شيء ولما تحققت أم سلمة ذلك سألتهما أن يتركا لها فضلة من ذلك ليصيبها من تلك