(أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم) بن عبد الله بن عمر (عن ابن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته (قال) ابن عمر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تجدون الناسر كإبل مائة) بالتنوين فيهما على أنهما موصوف وصفة أي كإبل معدودة بالمائة والمعنى كمائة إبل وورد في رواية البخاري كالإبل المائة معرّفًا باللام وهو الأوفق للاستعمال واللام فيه للجنس قوله (لا يجد الرجل) الذي يريد الركوب (فيها) أي في تلك المائة (راحلة) تصلح للركوب والراحلة هي الناقة النجيبة المختارة من الإبل التي تصلح للركوب وتطيع راكبها وتسمى بالذلولة أي المذللة لراكبها وقد فسر العلماء هذا الحديث بمعنيين الأول أن المقصود من هذا الحديث بيان مساواة الناس في النسب لا فضل لأحدهم على الآخر فشبّه الناس بمائة من الإبل التي ليس فيها راحلة فلا فضل لأحد من الإبل على الآخر وهذا المعنى قد اختاره ابن قتيبة وكذلك البيهقي والمعنى الثاني وإليه ذهب أكثر العلماء أن المقصود بيان قلة أهل الفضل فالناس في الدنيا كثير ولكن لا تجد فيهم من أهل الفضل إلا عددًا قليلًا كما أن الإبل كثيرة ولكن النجيبة منها المختارة للركوب قليلة جدًّا وعبارة القرطبي هنا "قوله لا تجد فيها راحلة" قال الأزهري الراحلة الناقة النجيبة والجمل النجيب والهاء فيها للمبالغة لا للتأنيث كرجل داعية ونسابة وعلامة وسميت بذلك لأنها ترحل فهي فاعلة بمعنى مفعولة كعيشة راضية أي مرضية قال ومعنى الحديث عندي أن الكامل في الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة قليل "قلت" ويقع لي أن الذي يناسب التمثيل بالراحلة إنما هو الرجل الكريم الجواد الذي يتحمل كل الناس وأثقالهم بما يتكفله من القيام بحقوقهم والغرامات عنهم وكشف كربهم وقضاء حوائجهم فهذا هو القليل الوجود بل قد يصدق عليه اسم المفقود وهذا أشبه القولين والله تعالى أعلم ثم لفظ مسلم "لا يجد الرجل فيها راحلة" يدل بظاهره على نفي أهل الفضل على الإطلاق مع أنه غير مراد وهو أولى وأوفى بالمراد لما فيها من زيادة المعنى ومطابقة الواقع وسند البخاري لهذا الحديث معدود في أصح الأسانيد كما ذكره الحافظ في الفتح [١١/ ٣٣] والله أعلم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [٢/ ٨٨] والبخاري في الرقاق باب