وعودها إليك يقال حسده يحسده حسودًا من باب قعد قال الأخفش وبعضهم يقول يحسد بالكسر والمصدر حسدًا بالتحريك وحسادة وحسدتك على الشيء وحسدتك الشيء بمعنى واحد.
وأما الغبطة فهي أن تتمنى مثل حال المغبوط من غير أن تريد زوالها عنه تقول منه غبطته بما نال غبطًا وغبطة وقد يوضع الحسد موضع الغبطة لتقاربهما كما قال صلى الله عليه وسلم "لا حسد إلا في اثنتين" متفق عليه أي لا غبطة أعظم ولا أحق من الغبطة بهاتين الخصلتين اهـ من المفهم (ولا تدابروا) أي لا تفعلوا فعل المتباغضين اللذين يدبر كل واحد منهما عن الآخر أي يوليه دبره من المدابرة وهو جعل كل واحد من المتباغضين دبره وقفاه إلى الآخر ولا يواجهه بوجهه بغضًا له وكراهية رؤية وجهه وهي كناية عن المقاطعة (وكونوا) يا (عباد الله إخوانًا) أي مثل إخوان النسب في الشفقة والرحمة والمودة والمواساة والمعاونة والنصيحة كما أمركم الله سبحانه وتعالى بكونكم إخوانًا أمرًا ضمنيًا لا صريحًا بقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات: ١٠]، فإنه خبر عن الخصلة المطلوبة للمؤمنين التي ينبغي لهم أن يكونوا عليها ففيها معنى الأمر ويحتمل أن يريد بأمر الله هذا الأمر الذي هو قوله صلى الله عليه وسلم كونوا إخوانًا لأن أمره صلّى الله عليه وسلم هو أمر الله وهو مبلّغ له قال النووي والمعنى أي تعاملوا وتعاشروا معاملة الإخوة ومعاشرتهم في المودة والرفق والشفقة والملاطفة والتعاون في الخير ونحو ذلك مع صفاء القلوب والنصيحة بكل حال اهـ (ولا يحل لمسلم أن يهجر) في الكلام والسلام (أخاه) المسلم ويعرض عنه (فوق ثلاث) من الليالي يعني أن الهجرة في الكلام دون الثلاث معفو عنها وسببه أن البشر لا بد له غالبًا من سوء خلق وغضب فسامحه الشرع في هذه المدة لأن الغضب فيها لا يكاد الإنسان ينفك عنه ولأنه لا يمكنه رد الغضب في تلك المدة غالبًا وبعد ذلك يضعف فيمكن رده بل قد يمحى أثره وظاهر هذا الحديث تحريم الهجرة فوق ثلاث وقد أكّد هذا المعنى قوله لا هجرة بعد ثلاث وكون المتهاجرين لا يغفر لهما حتى يصطلحا اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [٣/ ١٠٠] والبخاري في الأدب باب