للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ادَّعَى لِغَيرِ أبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَرَ،

ــ

فالمرأة كذلك أي ليس رجل ولا امرأة (ادعى) وانتسب (لغير أَبيه) ووالده أي انتسب إليه واتخذه أبًا أنفة عن أَبيه (وهو) أي والحال أن ذلك الرَّجل المنتسب لغير أَبيه (يعلمه) أي يعلم أن ذلك الغير ليس أباه ووالده (إلا كفر) ذلك المنتسب كفرًا حقيقيًّا يخرجه عن الملة إن استحل ذلك الانتساب لأنه استحل ما هو معلوم حرمته من الدين ضرورة وإلا كفر كفرًا بمعنى كفران نعمة الأبوة أي جحد حق أَبيه لأن انتسابه لغير أَبيه إما قذف أو كذب أو عقوق ولا شيء من ذلك بكفر، قال القرطبي أو أنَّه أطلق الكفر مجازًا لشبهه بفعل أهل الكفر لأنهم كانوا يفعلونه بالجاهلية، وعبارته هنا (قوله ليس من رجل) إلخ، أي انتسب لغير أَبيه رغبة عنه مع علمه به وهذا إنما يفعله أهل الجفاء والجهل والكبر لخسة منصب الأب ودناءته فيرى الانتساب إليه عارًا ونقصًا في حقه ولا شك في أن هذا محرم معلوم التحريم فمن فعل ذلك مستحلًا فهو كافر حقيقة، فيبقى الحديث على ظاهره، وأما إن كان غير مستحل فيكون الكفر الذي في الحديث محمولًا على كفران النعم والحقوق، فإنَّه قابل الإحسان بالإساءة، ومن كان كذلك صدق عليه اسم الكافر، وعلى فعله أنَّه كفر لغة، وشرعًا على ما قررناه، ويحتمل أن يقال أطلق عليه ذلك لأنه تشبه بالكفار أهل الجاهلية أهل الكبر والأنفة فإنهم كانوا يفعلون ذلك والله تعالى أعلم اهـ منه.

قال النواوي: (وأما قوله صلى الله عليه وسلم فيمن ادعى لغير أَبيه وهو يعلم أنَّه غير أَبيه كفر) فقيل: فيه تأويلان أحدهما: أنَّه في حق المستحل، والثاني: أنَّه كفر النعمة والإحسان وحق الله تعالى، وحق أَبيه وليس المراد الكفر الذي يخرجه عن ملة الإِسلام، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم "يكفرن" ثم فسره بكفرانهن الإحسان وكفران العشير، ومعنى قوله: (ادعى لغير أَبيه) أي انتسب إليه واتخذه أبًا، وقوله صلى الله عليه وسلم "وهو يعلم" تقييد لا بد منه، فإن الإثم إنما يكون في حق العالم بالشيء.

قال الأبي: انظر لو انتسب لغير أَبيه لضرورة كالمسافر ينزل الخوف به فيقول: أنا ابن فلان لرجل محترم لصلاح أو غيره، والظاهر أنَّه لا يتناوله الوعيد بخلاف ما لو انتسب لغير أَبيه ليُكرم أو يُعطى، الأظهر أن هذا يتناوله الوعيد لعدم الضرورة إليه.

وانظر ما لو انتسب لأبيه من زنًا وكان الشيخ يقول: إنه أخف لأنه أبوه لغة لا شرعًا، ويدل على أنَّه أبوه لغة حديث جريج حيث قال الولد: أبي الراعي فلان، وأما

<<  <  ج: ص:  >  >>