الله عليه وسلم (يا رسول الله قلت له) أي قلت فيه قبل دخوله الكلام (الذي قلت) فيه تعني قوله فلبئس ابن العشيرة (ثم) بعد دخوله (ألنت له القول) وسهلت له الكلام فما هذه المخالفة بين كلاميك فـ (ـقال) لها النبي صلى الله عليه وسلم في جواب سُؤالها (يا عائشة إنَّ شرَّ الناس) وأخسّهم وأقبحهم (منزلة) أي درجةً (عند الله يوم القيامة من ودعه) أي تركه (أو) قال من (تركه الناس اتقاء فحشه) أي خوف شرّه وفتنته وهذا الرجل الداخل عليَّ من شرّ الناس فلذلك ألنت له القول قوله "فلبئس ابن العشيرة" العشيرة القبيلة أو الجماعة والمراد أنه من رجال السوء في قومه وعشيرته وعيينة بن حصن هذا لم يكن أسلم حينئذ وإن كان قد أظهر الإسلام فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرف حاله لئلا يغتر به من لا يعرف حقيقة أمره وكان منه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعده ما دل على ضعف إيمانه وارتد مع المرتدين وجيء به أسيرًا إلى أبي بكر رضي الله عنه ووصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه بئس ابن العشيرة من أعلام النبوة لأنه ظهر كما وصف قوله "ألان له القول" أي تحدّث معه بلين ورفق وفي رواية للبخاري في الأدب "فلمَّا جلس تطلق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وانبسط إليه" وفيه مداراة الضيف الكافر أو الفاسق والمداراة جائزة وربما تستحب والفرق بين المداراة والمداهنة أن المداراة بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو كليهما وهي مباحة ومستحسنة في بعض الأحوال والمداهنة المحرّمة المذمومة هي بذل الدين لصلاح الدنيا والنبي صلى الله عليه وسلم إنما بذل له من دنياه حسن عشرته والرفق في مكالمته وطلاقة وجهه ولم يمدحه بقول فلم يناقض قوله فيه فعله لأنه قوله ذلك إخبار بحق ومداراته له حسن عشرة مع الخلق فلا مدفع لأهل الزيغ والضلال إذ لا يبقى على ما أوضحناه إشكال اهـ مفهم اهـ فتح الباري [١/ ٤٥٤] ويظهر من قول النبي صلى الله عليه وسلم فيه "إن شرّ الناس منزلةً عند الله" إلخ أن عيينة ختم له بخاتمة سوء لأنه ممن اتقى النبيُّ صلى الله عليه وسلم فحشه وشره والناسُ فهو إذًا شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة ولا يكون كذلك حتى يختم الله تعالى له بالكفر والله تعالى أعلم قوله "من ودعه أو تركه الناس اتّقاء فحشه" هذا شك من بعض الرواة في أيّ اللفظين قال النبي صلى الله عليه وسلم فإن كان الصحيح ودعه فقد تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بالأصل المرفوض كما تكلّم به الشاعر الذي هو أنس بن زنيم في قوله: