وقوله "لمن أصاب من الخير شيئًا ما أصابه هذان" هذا الكلام من السهل الممتنع وذلك أن معناه أن هذين الرجلين ما أصابا منك خيرًا وإن كان غيرهما قد أصابه لكن تنزيل هذا المعنى على أفراد هذا الكلام فيه صعوبة ووجه التنزيل يتبين بالإعراب وهو أن اللام في "لَمَنْ" هي لام الابتداء وهي متضمنة للقسم ومنْ موصولة في محل رفع بالابتداء وجملة أصاب صلتها وعائدها الضمير المستتر في أصاب و "من الخير" متعلق بأصاب وهو بيان مقدم لقوله "شيئًا" وهو مفعول أصاب وخبر من الموصولة محذوف تقديره والله لرجل أصاب منك خيرًا ودعاء فائز أو ناج ثم نفت عن هذين الرجلين إصابة ذلك الخير بقولها ما أصابه هذان أي ولكن ما أصاب ذلك الخير منك هذان الرجلان بل حصل لهما منك اللعن والسب ولا يصح أن يكون ما أصابه خبرًا لـ "من" الواقعة مبتدأ لخلوها عن عائد يعود على نفس المبتدأ وأما الضمير في أصابه فهو للخير لا لمن فتأمله يصح لك ما قلناه والله تعالى أعلم اهـ من المفهم.
وقوله "اللهم إنّي بشر أغضب كما يغضب البشر" إلخ ظاهر هذا أنه خاف أن يصدر عنه في حال غضبه شيء من تلك الأمور فيتعلق به حق مسلم فدعا الله تعالى ورغب إليه في أنَّه خاف أن يصدر عنه في حال غضبه شيء من تلك الأمور فيتعلق به حق مسلم فدعا الله تعالى ورغب إليه في أنّه إن وقع منه شيء من ذلك لغير مستحق أن لا يفعل بالمدعو عليه مقتضى ظاهر ذلك الدعاء وأن يعوّضه من ذلك مغفرة لذنوبه ورفعة في درجاته فأجاب الله تعالى طلبة نبيه صلى الله عليه وسلم ووعده بذلك فلزم ذلك بوعده الصدق وقوله الحق وعن هذا عبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله شارطت ربي وشرط عليَّ ربي واتخذت عنده عهدًا لن يخلفنيه لا أن الله تعالى يشترط عليه شرط ولا يجب عليه لأحد حق بل ذلك كلُّه بمقتضى وعده وفضله وكرمه على حسب ما سبق في علمه فإن قيل فكيف يجوز أن يصدر من النبي صلى الله عليه وسلم لعن أو سبّ أو جلد لغير مستحقه وهو معصوم من مثل ذلك في الغضب والرضا لأن كل ذلك محرم وكبيرة والأنبياء معصومون عن الكبائر إما بدليل العقل أو بدليل الإجماع.
"قلت" قد أشكل هذا على العلماء وراموا التخلص عن ذلك بأوجه متعددة أوضحها وجه واحد وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما يغضب لما يرى من المغضوب عليه من مخالفة الشرع فغضبه لله تعالى لا لنفسه فإنه ما كان يغضب لنفسه ولا