في الدنيا (من قدر قد سبق) عليهم أزلًا (أو) هو شيء (فيما يستقبلون به) بالبناء للمجهول أي أو هو شيء مما يستأنفون له أي مما يؤمرون باستئنافه وإيجاده الآن بلا سبق قدر به حال كونه (مما أتاهم) وأمرهم (به نبيهم وثبتت الحجة عليهم) بتبليغه إليهم (فقال) لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا) أي ليس عملُهم آنفًا يستأنفون به وينشؤونه الآن بلا سبق قدر عليهم (بل) عملهم الآن (شيء قُضي عليهم) أزلًا (ومضى) أي نفذ (فيهم) الآن (وتصديق ذلك) أي مصداق ذلك الجواب الذي قلته لكما في جواب سؤالكما مذكور (في كتاب الله عزَّ وجلَّ) حيث قال سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (٨)} [الشمس: ٧، ٨].
وقوله "ونفس" أي وأقسمت بنفس إنسانية "وما سواها" أي وبمن سواها وأنشأها وأبدعها وركب فيها قواها الباطنة والظاهرة لتكون مستعدة لكمالاتها وحدد لكل منها وظيفة تؤديها وألف بها الجسم الذي تستخدمه من أعضاء قابلة لاستعمال تلك القوى والتنكير فيها للتفخيم على أن المراد به نفس آدم - عليه السلام - أو للتكثير وهو الأنسب للجواب ومعنى سواها خلقها وأنشاها وسوى أعضاءها و"ما" في أصلها لما لا يعقل وقد تجيء بمعنى الذي وهي تقع لمن يعقل ولما لا يعقل وإيثار (ما) على من لإرادة الوصفية تعجبًا لأن ما يُسأل بها عن صفة من يعقل كأنه قيل وبالقادر العظيم الشأن الذي سوّاها وخلقها. ثم بين أثر هذه التسوية بقوله "فألهمها" أي فألهم منفس وعرفها "فجورها" أي طريق فجورها وشرّها لتجتنبها ولا تعمل به "وتقواها" أي وأعلم كل نفس طريق تقواها لتعمل به اهـ من حدائق الروح والريحان باختصار قال القرطبي يعني أنه خلقها مكملة بكل ما تحتاج إليه مؤهلة لقبول الخير والشر غير أنه يجري عليها في حال وجودها ومآلها ما سبق لها مما قضي به عليها وفي حديث عمران هذا من الفقه جواز اختبار العالم عقول أصحابه الفضلاء بمشكلات المسائل والثناء عليهم إذا أصابوا وبيان العذر عن ذلك والذي قضي عليها أنها إما من أهل السعادة وبعمل أهل السعادة الذي به تدخل الجنة تعمل وإما من أهل الشقاوة وبعمل أهل الشقاوة الذي به تدخل النار تعمل اهـ من المفهم.