عَلَيهِم؟ فَقُلتُ: بَل شَيءٌ قُضِيَ عَلَيهِم، وَمَضَى عَلَيهِمْ. قَال: فَقَال: أَفَلا يَكُونُ ظُلْمًا؟ قَال: فَفَزِعْتُ مِنْ ذلِكَ فَزَعًا شَدِيدًا. وَقُلْتُ: كُل شَيء خَلقُ الله وَمِلْكُ يَدِهِ. فَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ. فَقَال لِي: يَرْحَمُكَ الله، إِني لَمْ أُرِد بِمَا سَأَلتُكَ إلا لأَحزُرَ عَقلَكَ. إِن رَجُلَينِ من مُزَينَةَ أتَيَا رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ. فَقَالا: يَا رَسُولَ الله، أَرَأَيتَ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ، وَيكدَحُونَ فِيهِ، أَشَيءٌ قُضِيَ عَلَيهِمْ وَمَضَى فِيهِمْ
ــ
عليهم) بعمله والمؤاخذة به قال أبو الأسود (فقلت) لعمران بن حصين في جواب سؤاله (بل) هو أي عملهم (شيء قضي) وقدر عليهم أزلًا (ومضى عليهم) أي سبق عليهم حكمه وقضاؤه (قال) أبو الأسود (فقال) لي عمران بن حصين (أفلا يكون ظلمًا) أي أإذا قلت إن ذلك العمل الذي يكدحون فيه أمرٌ قضي وقدر عليهم ولا بد لهم منه فهم مجبورون عليه فكيف يعاقبون عليه إذا كان ذلك من المعاصي فعقابهم حينئذ على ذلك ظلم (قال) أبو الأسود (ففزعت) أي رعبت وفجئت (من ذلك) الذي قال لي عمران (فزعًا شديدًا وقلت) له (كل شيء) من الكائنات (خلق الله) أي مخلوقة (وملك يده) أي مملوك في قبضة يده المقدسة فله التصرف في ملكه بما شاء من العقاب والثواب (فلا يسأل) سبحانه (عما يفعل) فيهم (وهم يسألون) عما يعملون ولقد أحسن أبو الأسود في الجواب ومقتضى جوابه أن الظلم لا يتصور من الله تعالى فإن الكل خلقه وملكه لا حجر عليه ولا حكم فلا يتصوَّر في حقه الظلم لأن الظلم التصرف في ملك الغير وهم ملكه ثم عضَّد ذلك بقوله: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (٢٣)} ولما سمع عمران هذا الجواب تحقق أنه قد وفق للحق وأصاب عين الصواب فاستحسن ذلك منه وأخبره أنه إنما امتحنه بذلك السؤال ليختبر عقله وليستخرج علمه كما ذكره بقوله (فقال لي) عمران (يرحمك الله) بالعلم النافع والعمل الصالح (إني لم أرد بما سألتك) أي لم أقصد بسؤالي إياك (إلا لأحزر) بتقدم الزاي على الراء من بأبي نصر وضرب أي إلا لأمتحن وأختبر (عقلك) وفهمك ومعرفتك في دينك ثم قال عمران (إن رجلين من مزينة) لم أر من ذكر اسمهما (أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس اليوم) أي أخبر لنا عن العمل الذي يعمله الناس في الدنيا (ويكدحون فيه) أي ويتعبون فيه أنفسهم خيرًا كان أو شرًّا (أشيء) أي هل هو شيء قدّر عليهم أزلًا (ومضى فيهم) أي نفذ فيهم