للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَال: قَال لِي النَّبِيُّ (١) صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ في حَجَّةِ الْوَدَاعِ: "اسْتَنْصِتِ النَّاسَ، ثُمَّ قَال: لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْض"

ــ

من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وثلاثة كوفيون إلَّا في رواية أبي بكر بن أبي شيبة فعلى روايته أربعة منهم كوفيون واثنان بصريان.

(قال) جرير بن عبد الله (قال لي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع) يوم النحر بمنى، قال النووي والمعروف في الرواية حجة الوداع بفتح الحاء والمسموع من العرب فيها الكسر قال الهروي والقياس الفتح لأنها اسم المرة الواحدة لا الهيئة قالوا فيجوز الكسر فيها بالسماع والفتح بالقياس وسميت حجة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم ودع النَّاس فيها وعلمهم في خطبته فيها أمر دينهم وأوصاهم أن يبلغ الشاهد فيها الغائب (استنصت النَّاس) أي اطلب منهم الإنصات وأمرهم به ليسمعوا مني هذه الأمور المهمة والقواعد التي سأقررها لهم وأحَمّلهم إيَّاها والاستنصات طلب الإنصات منهم والإنصات السكوت مع الإصغاء ومعنى استنصت أسكت النَّاس ليستمعوا مني قواعد دينهم ووصيتي إليهم بمصالح دينهم (ثم) بعد ما أسكتهم وأمرتهم بالاستماع فسكتوا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا ترجعوا) ولا تنقلبوا (بعدي) أي بعد فراقي من موقفي هذا ويكون معنى بعدي خلافي أي لا تخلفوني في أنفسكم بعد الذي أمرتكم به أو بعد وفاتي أي لا ترتدوا ولا تصيروا بعد وفاتي (كفارًا) مستحلين حالة كونكم (يضرب بعضكم رقاب بعض) آخر مستحلين المقاتلة والمقاطعة بينكم فتكونون كافرين كفرًا حقيقيًّا ومفهوم هذا النهي الأمر بملازمة الإيمان والاعتصام بشرائع الإِسلام والمباعدة عن صنوف الشِّرك والضلال والمعنى لازموا عقيدة أهل الإيمان واعملوا بشرائع الإِسلام ولا ترجعوا بعد وفاتي على أعقابكم وتصيروا كفارًا مستحلين ضرب بعضكم رقاب بعض فتنقلبوا خاسرين مرتدين عن الإِسلام، وقال القرطبي: معنى لا ترجعوا كفارًا بعدي لا تشبهوا بالكفار في المقاتلة والمقاطعة وفيه ما يدل على أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يعلم ما سيقع بعده في أمته من الفتن والتقاتل ويدل أَيضًا على قرب وقوع ذلك من زمانه فإنَّه خاطب بذلك أصحابه وظاهره أنَّه أرادهم لأنه بهم أعْنَى وعليهم أحْنَى ويحتمل غير ذلك اه.

وقال الخطابي: معناه لا يكفر بعضكم بعضًا فتستحلوا قتال بعضكم بعضًا اه،


(١) في نسخة: (قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم).

<<  <  ج: ص:  >  >>