وقيل: المراد بالحديث أهل الردة وهذا القول إنما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبة النحر إثر قوله "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام" الحديث متفق عليه ثم قال ليبلغ الشاهد الغائب لا ترجعوا بعدي كفارًا الحديث فهو شرح لما تقدم منه صلى الله عليه وسلم في تحريم بعضهم على بعض ما أقاموا على الإِسلام، قال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم "لا ترجعوا بعدي كفارًا" إلخ قيل في معناه سبعة أقوال، الأول: أن ذلك كفر شرعي في حق مستحل الضرب بغير حق لأنه استحل ما هو معلوم حرمته ضرورة أي لا تصيروا كفارًا باستحلال ضرب بعضكم بعضًا فتخرجوا عن الملة والإيمان" والثاني: كفر النعمة وحق الإِسلام والمعنى لا تصيروا جاحدين لنعمة الإِسلام وأخوته فيضرب بعضكم رقاب بعض، والثالث: أنَّه ما يقرب إلى الكفر ويؤدي إليه أي لا تفعلوا ما يؤول بكم إلى أن تصيروا كفارًا بضرب بعضكم رقاب بعض، والرابع: أنَّه فعلٌ كفعل الكفار أي لا تصيروا أشباه الكفار بضرب بعضكم رقاب بعض نظير قوله تعالى {كَيفَ تَكْفُرُونَ باللهِ} الآية أي كيف تتشبهون بالكفار نزلت في لبس الْأَنصار السلاح بعضهم لبعض لإفساد يهود بينهم وتذكيرهم إياهم أيامهم في الجاهلية حتَّى ثار بعضهم إلى بعض في السلاح وهذا أظهر الأقوال وهو اختيار القاضي عياض والقرطبي، والخامس: المراد حقيقة الكفر ومعناه لا تكفروا بل دوموا مسلمين مؤمنين، والسادس: أن المراد بالكفار المتكفرون بالسلاح يقال: تكفر الرَّجل بسلاحه إذا لبسه أي لا تصيروا متسلحين يضرب بعضكم رقاب بعض، والسابع: لا يكفر بعضكم بعضًا فتستحلوا قتال بعضكم بعضًا فتخرجوا عن الملة. انتهى بتصرف.
وهذا كله على رواية الرفع في يضرب وهو في موضع الحال وأما على رواية الجزم فلا يستقيم المعنى عليه لأن الجزم في جواب النهي بتقدير شرط فينقلب النهي معه نفيًا، فإذا قلت لا تضرب زيدًا يكرمك فالتقدير إن لا تضربه يكرمك فإن لم يحسن النفي معه وجب الرفع فتقول لا تدن من الأسد يأكلك بالرفع إذ لا يصح إن لا تدن من الأسد يأكلك فلا يصح الجزم والحديث نظير هذا المثال فلا يصح الجزم فيه لأن المعنى حينئذ إن لا ترجعوا كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض فلا يصح ذلك.
وقال المازري: تمسك بهذا الحديث الخوارج في التكفير بالذنوب لأن المعنى لا تكفروا بعدي بضرب بعضكم رقاب بعض والمبتدعة في أن الإجماع ليس بحجة قالوا