للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْويلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْويلَهُ إلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إلا أُولُو الْأَلْبَابِ (٧)} [آل عمران: ٧]

ــ

محفوظة من الاحتمال قطعية الدلالة على المراد ({هُنَّ}) أي تلك المحكمات ({أمُّ الْكِتَابِ}) أي أصل القرآن الَّذي يرجع إليه عند الاشتباه وعمدته التي ترد إليها الآيات المتشابهات كقوله تعالى في شأن عيسى: {إِنْ هُوَ إلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (٥٩)} وكقوله فيه: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَال لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)} وغير ذلك من الآيات المحكمة المصرّحة بأن عيسى خلق من مخلوقات الله وعبد من عباده ورسول من رسل الله (و) قسم ({أُخَرُ}) منه آيات ({مُتَشَابِهَاتٍ}) أي غير واضحة الدلالة على المعنى المراد محتملات لمعان متشابهة لا يتضح مقصودها لإجمال أو مخالفة ظاهرة إلَّا بنظر دقيق وتامل أنيق أي تحتمل دلالتها موافقة المحكم وقد تحتمل شيئًا آخر غير مراد منها من حيث اللفظ والتركيب لا من حيث المراد كقوله تعالى في شأن عيسى: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} ({فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيغٌ}) وميل عن الحق إلى الأهواء الباطلة وخروج منه إلى الباطل. ({فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ}) أي فيتعلقون ويأخذون بالمتشابه من الكتاب الَّذي يمكنهم أن يحرِّفوه إلى مقاصدهم الفاسدة وينزلوه عليها لاحتمال لفظه لما يصرفونه إليه فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه لأنه دامغ لهم وحجة عليهم ({ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} أي طلب الفتنة والإضلال لأتباعهم إيهامًا لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن وهو حجة عليهم لا لهم ({وَابْتِغَاءَ تَأْويلِهِ}) أي وطلب تأويل المتشابه على ما ليس في كتاب الله عليه دليل ولا بيان وطلب تحريفه على ما يريدون وذلك كاحتجاج النصارى على عقيدتهم الفاسدة بأن القرآن قد نطق بأن عيسى روح الله وكلمته ألقاها وروحٌ منه وتركوا الاحتجاج بقوله تعالى: {إِنْ هُوَ إلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيهِ} بالنبوة والرسالة مثلًا ({و}) الحال أنَّه ({وَمَا يَعْلَمُ تَأْويلَهُ}) أي تأويل المتشابه وتفسيره حقيقة ({إلا اللَّهُ}) وحده ({وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}) أي والذين رسخوا وثبتوا في العلم وتمكنوا فيه بضرس قاطع وهذا كلام مستأنف عند الجمهور والوقف عندهم على قوله "إلَّا الله" وهو مبتدأ عندهم والخبر قوله ({يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}) أي بالمتشابه أنَّه من عند الله ولا نعلم معناه وعدم التعرُّض لإيمانهم بالمحكم لظهوره ({كُلٌّ}) أي كل من المحكم والمتشابه ({مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}) أي من عند الله الحكيم الَّذي لا يتناقض كلامه ({وَمَا يَذَّكَّرُ إلا أُولُو الْأَلْبَابِ}) أي وما يتعظ بما في القرآن: وما يتيقظ له ويتدبر إلَّا أصحاب العقول الكاملة المستنيرة الخالصة عن الركون

<<  <  ج: ص:  >  >>