ولتقتدن بهم في الأفعال والأقوال والملابس والمطاعم والمعايش والأخلاق قليلًا وكثيرًا حالة كونكم مساوين إياهم في ذلك (حتَّى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم) في دخولها (قلنا) له صلَّى الله عليه وسلم (يا رسول الله أ) تريد بهم (اليهود والنصارى قال فمن) أريد إلَّا إياهم قوله "لتتبعن سنن" بفتح السين للأكثر بمعنى الطريق وقال ابن التين قرأناه بضمها وقال المهلب الفتح أولى لأنه هو الَّذي يستعمل فيه الذراع والشبر كذا في فتح الباري [١٣/ ٣٠١] قال القرطبي السنن بالفتح الطريق وبضمها جمع سنة وهي الطريقة المسلوكة وذكر الشبر والذراع والجحر أمثال تفيد أن هذه الأمة يطرأ عليها من الابتداع والاختلاف مثل الَّذي كان ووقع لبني إسرائيل وقال عياض الشبر والذراع والطريق ودخول الجحر تمثيل للاقتداء بهم في كل شيء مما نهى الشرع عنه وذمّه قال الحافظ قال ابن بطال أعلم صلَّى الله عليه وسلم أن أمته ستتبع المحدثات من الأمور والبدع والأهواء كما وقع للأمم قبلهم وقد أنذر في أحاديث كثيرة بأن الآخر شر والساعة لا تقوم إلَّا على شرار الناس وأن الدين يبقى قائمًا عند خاصة من الناس قلت وقد وقع معظم ما أنذر به النبي صلى الله عليه وسلم وسيقع بقية ذلك اهـ.
قال القرطبي: وقد روى الترمذي معنى هذا الحديث بأوضح منه فقال: "ليأتينَّ على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل حتَّى إن كان منهم من يأتي أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين كلها في النار إلَّا واحدة قالوا ومن هي يا رسول الله قال ما أنا عليه وأصحابي" أخرجه من حديث ابن عمر [٢٦٤١] وقد رواه أبو داود من حديث معاوية بن أبي سفيان وقال ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنّة وهي الجماعة رواه أبو داود [٤٥٩٦] يعني جماعة أصحابي ومن تابعهم على هديهم وسلك طريقهم كما قال في حديث الترمذي وقد تبين بهذه الأحاديث أن هذا الافتراق المحذر منه إنما هو في أصول الدين وقواعده لأنه قد أطلق عليها مللًا وأخبر أن التمسك بشيء من تلك الملل موجب لدخول النار ومثل هذا لا يقال على الاختلاف في الفروع فإنه لا يوجب تعديد الملل ولا عذاب النار وإنما هو على أحد المذهبين السابقين إما مصيب فله أجران وإما مخطئ فله