عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق) ذهابه إلى (مكة فمر) في طريقه (على جبل يقال له) ويسمى (جُمدان) بضم الجيم وسكون الميم هو جبل بين قديد وعسفان من منازل أسلم (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (سيروا) أي جدّوا في السير واجتهدوا فيه (هذا جُمدان سبق المُفرِّدون) بفتح الفاء وكسر الراء المشددة من التفريد في رواية الأكثر، ورواه بعضهم بسكون الفاء وتخفيف الراء المكسورة من الإفراد، وقال ابن قتيبة وغيره: أصل المفردين الذين هلك أقرانهم وانفردوا عنهم فبقوا يذكرون الله تعالى، وجاء في رواية:"هم الذين اهتزوا في ذكر الله" أي لهجوا به، وقال ابن الأعرابي: يقال: فرّد الرجل إذا تفقه واعتزل وخلا بمراعاة الأمر والنهي، وقال الأزهري: هم المتحلون من الناس بذكر الله تعالى (قالوا): أي قال الأصحاب للنبي (وما المفردون يا رسول الله؟ ) أي ما معناه فـ (قال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم (الذاكرون الله) سبحانه ذكرًا (كثيرًا والذاكرات) الله كثيرًا، وقال القرطبي: وقال في غير كتاب مسلم "هم المستهترون بذكر الله تعالى يضع عنهم الذكر أوزارهم فيردون يوم القيامة خفافًا" رواه الترمذي [٣٥٩٦] وإنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا القول عقيب قوله: "هذا جُمدان" لأن جمدان جبل منفرد بنفسه هنالك ليس بحذائه جبل مثله فكأنه تفرد هناك فذكره بهؤلاء المفردين والله أعلم. وهؤلاء القوم بقوا في الدنيا إلى الأحوال السنية وفي الآخرة إلى المنازل العلية اه من المفهم.
قوله:(هم الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات) هذه الكثرة المذكورة هنا هي المأمور بها في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}[الأحزاب: ٤١] وهذا المساق يدل على أن هذا الذكر الكثير واجب ولذلك لم يكتف بالأمر حتَّى أكده بالمصدر ولم يكتف بالمصدر حتَّى أكده بالصفة، ومثل هذا لا يكون في المندوب وظهر أنَّه ذكر كثير واجب ولا يقول أحد بوجوب الذكر باللسان دائمًا، وعلى كل حال كما هو ظاهر هذا الأمر فتعين أن يكون ذكر القلب كما قاله مجاهد، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس شيء من الفرائض إلَّا وله حد ينتهي إليه إلَّا ذكر الله. ولم يقل هو ولا غيره فيما