فَلَمْ أَزَل أَزرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرِعَاءَهَا. فَجَاءَنِي فَقَالَ: اتِّقِ الله وَلَا تَظْلِمْنِي حَقِّي. قُلْتُ: اذهَبْ إلى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرِعَائِهَا فَخُذْهَا. فَقَالَ: اتِّقِ الله وَلَا تَسْتَهْزِئْ بِيِ. فَقُلْتُ: إِنِّي لا أَسْتَهْزِئُ بِكَ. خُذْ ذَلِكَ الْبَقَرَ وَرِعَاءَهَا. فَأَخَذَهُ فَذَهَبَ بِهِ
ــ
عمال فاستأجرت كل رجل منهم بأجر معلوم فجاء رجل ذات يوم نصف النهار فاستأجرته بشرط أصحابه فعمل في نصف نهاره كما عمل رجل منهم في نهاره كله فرأيت عليّ في الذمام أن لا أنقصه عما استأجرت به أصحابه لما جهد في عمله فقال رجل منهم: تعطي هذا مثل ما أعطيتني؟ فقلت: يَا عبد الله لم أبخسك شيئًا من شرطك وإنما هو مالي أحكم فيه بما شئت فغضب وذهب وترك أجره) قال هذا الثالث: (فلم أزل أزرعه) أي أزرع ذلك الفرق لاستثماره لذلك الأجير الذي ترك عليّ (حتَّى جمعت) أي حتَّى استثمرته وجمعت (منه) أي من ذلك الفرق مكسبًا كثيرًا واشتريت به (بقرًا) كثيرًا (ورعاءها) أي ورعاة تلك البقر جمع راعٍ وهو حافظها في المرعى، وفي رواية عبيد الله عند البُخَارِيّ في الأنبياء (وإني عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته فصار من أمره أني اشتريت منه بقرًا) والحاصل أنَّه تضاعف مقدار الأرز بالزراعة فاشترى بها بقرًا واستأجر بها من يرعاها، وتدل رواية سالم عند البُخَارِيّ على أنَّه اشترى بها الإبل والبقر والغنم والرقيق أَيضًا (فجاءني) ذلك الأجير (فقال) لي: (اتق الله) أعطني حقي (ولا تظلمني) أي ولا تمنعني (حقي) قال المستأجر: فـ (قلت) لذلك الأجير: (اذهب إلى تلك البقر ورعائها) أي ورعاتها (فخدها) أي فخذ تلك البقر مع رعاتها فإنَّها حقك عندي (فقال) الأجير (اتق الله) أيها المستأجر (ولا تستهزئ بي) أي ولا تسخر مني قال المستأجر: (فقلت) للأجير: (إني) والله (لا أستهزئ بك) ولا أسخر منك فـ (خذ ذلك البقر ورعاءها) ذكر اسم الإشارة نظرًا إلى لفظ البقر وأنث ضمير رعاءها نظرًا إلى معناها لأنها جمع بقرة، قال المستأجر:(فأخذه) أي فأخذ ذلك المذكور من البقر ورعائها الأجير (فذهب به) إلى وطنه، قال النووي: احتج بهذا الحديث الحنفية على أن بيع الرَّجل مال غيره والتصرف فيه بغير إذنه جائز إذا أمضاه المالك، وأجاب أصحابنا وغيرهم بأنه شرع من قبلنا فيحتمل أنَّه استأجره بأجرة في الذمة ولم يسلمه له بل عرضه عليه فلم يقبله لرداءته فلم ينتقل من غير قبض فبقي على ملك ربه فلم يتصرف إلَّا في ملكه ثم تطوع بما اجتمع منه