فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُل فَقالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتَغْفِرِ اللَّهَ لِمُضَرَ فَإِنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا. فَقَالَ:"لِمُضَرَ؟ إِنَّكَ لَجَرِيءٌ" قَالَ: فَدَعَا اللَّهَ لَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (١٥)} [الدخان: ١٥] قَالَ:
ــ
(فأتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل) منهم، والآتي هو أبو سفيان كما في الرواية الأولى وعند البخاري، لكن في المعرفة لابن منده في ترجمة كعب بن مرة قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر فأتيته فقلت: يا رسول الله قد نصرك الله وأعطاك واستجاب لك، وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم. فهذا أولى أن يُفسر به القائل بقوله يا رسول الله بخلاف أبي سفيان فإنه وإن كان جاء أيضًا مستشفعًا لكنه لم يكن أسلم حينئذٍ، ولأبي ذر فقيل له: يا رسول الله استسق الله لمضر .. إلخ (فقال) الرجل الجائي: (يا رسول الله استغفر الله لمضر فإنهم قد هلكوا) بالجدب والقحط، قال النووي: هكذا وقع في جميع نسخ مسلم (استغفر الله لمضر) وفي البخاري (استسق الله لمضر) قال القاضي: قال بعضهم: استسق هو الصواب اللائق بالحال لأنهم كفار لا يدعى لهم بالمغفرة. [قلت] كلاهما صحيح فمعنى استسق اطلب المطر والسقيا ومعنى استغفر ادع الله لهم الهداية التي يترتب عليها الاستغفار اه. قال في الفتح: إنما قال لمضر لأن غالبهم كان بالقرب من مياه الحجاز وكان الدعاء بالقحط على قريش وهم سكان مكة فسرى القحط إلى من حولهم اه (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا لأبي سفيان أو كعب بن مرة: "أتأمرني أن أستسقي"(لمضر) مع ما هم عليه من معصية الله والإشراك به (إنك) أيها السائل (لجريء) أي لذو جراءة وشجاعة حيث تشرك بالله وتطلب رحمته، قال الأبي: هذا على وجه التقرير والتعريف بكفرهم واستعظام ما سأل لهم أي فكيف يستغفر أو يستسقي لهم وهم عدو الدين، ويصح هذا عندي على ما ذكر مسلم من لفظ استغفر لأن الإنكار إنما هو للاستغفار الذي سأل لهم بدليل أنه عدل عنه إلى الدعاء بالسقي ولو كان استعظامه إنما هو لطلب السقيا لم يستسق لهم اه (قال) عبد الله: (فدعا الله) عز وجل (لهم) رسول الله صلى الله عليه وسلم السقيا وكانوا قد وعدوا بالإيمان إن كشف عنهم العذاب (فانزل الله عز وجل: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ}) أي القحط كشفًا ({قَلِيلًا}) أو زمانًا قليلًا ({إِنَّكُمْ عَائِدُونَ}) إلى الكفر، غب الكشف (قال)