عتوًا على الله وكبرًا وتسفيهًا لأمره تعالى وبذلك كفر لا بترك العمل بمطلق السجود ألا ترى قوله تعالى مخبرًا عنه بذلك حين قال {أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}[البقرة: ٣٤] وقال {لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإ مَسْنُونٍ}[الحجر: ٣٣] وقال {أَنَا خَيرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[الأعراف: ١٢]، سلمنا أنه ذم على ترك السجود لكن لا نسلم أن السجود نوع واحد، فقد قال بعض المفسرين: إن السجود الذي أمر الله به الملائكة إنما كان طأطأة الرأس لآدم تحية له وتعظيمًا وتشريفًا، وسجود التلاوة وضع الجبهة على الأرض على كيفية مخصوصة فافترقا، سلمنا أنه نوع واحد لكن منقسم بالإضافة ومتغاير بها، فيصح أن يؤمر بأحدها ويُنهى عن الآخر، كما يؤمر بالسجود لله تعالى، وينهى عن السجود للصنم، فما أمر به الملائكة من السجود لآدم محرم على ذريته كما قد حرم ذلك علينا وكيف يستدل بوجوب أحدهما على وجوب الآخر.
فسجود الملائكة لآدم كان عبادة لله وطاعة لأمره، كما أمرنا نحن بالسجود للكعبة أي لجهتها تعظيمًا من الله تعالى لشأنها، وسيأتي الكلام في سجود القرآن في بابه إن شاء الله تعالى.
وبكاء إبليس المذكور في الحديث ليس ندمًا على معصيته، ولا رجوعًا عنها، وإنما ذلك لفرط حسده وغيظه وألمه مما أصابه من دخول أحد من ذرية آدم الجنة ونجاته، وذلك نحو ما يعتريه عند الأذان والإقامة ويوم عرفة، على ما يأتي إن شاء الله تعالى.
وعبارة النواوي هنا وقد احتج أصحاب أبي حنيفة رحمه الله تعالى وإياهم بقوله (أمر ابن آدم بالسجود على أن سجود التلاوة واجب ومذهب مالك والشافعي والكثيرين أنه سنة وأجابوا عن هذه بأجوبة، أحدها أن تسمية هذا أمرًا إنما هو من كلام إبليس فلا حجة فيها فإن قالوا حكاها النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكرها قلنا قد حكى غيرها من أقوال الكفار ولم يبطلها حال الحكاية وهي باطلة، والوجه الثاني أن المراد به أمر ندب لا إيجاب، والثالث المراد به المشاركة في السجود لا في الوجوب والله تعالى أعلم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:
(١٤٩) - متا (٠٠)(حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي مولاهم أبو خيثمة النسائي ثقة ثبت من العاشرة مات سنة (٢٣٤) أربع وثلاثين ومائتين وتقدم البسط في