أي واعظًا (بموعظة) متعلق بخطيبًا وفائدة ذكره التأكيد أو متعلق بقام، والموعظة كل ما اشتمل على الترغيب والترهيب، والخطبة أعم منها (فقال) في خطبته (يا أيها الناس إنكم تحشرون) يوم القيامة في أرض المحشر راجعين (إلى الله) سبحانه للمحاسبة والمجازاة، حالة كونكم (حفاة) عن النعال (عراة) عن اللباس (غرلًا) أي غير مختونين، ومصداق ما ذكرته لكم قوله تعالى في كتابه العزيز ({كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَينَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}[الأنبياء: ١٠٤]) قال الأبي: والأظهر أن مقام التكرمة عدم حشر الأنبياء كذلك. [فإن قلت] قوله أول من يكسى إبراهيم. فالجواب أنَّه يكسى عنه خروجه من القبر (ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السَّلام) والحكمة في كونه أول من يكسى أنَّه جرد حين ألقي في النَّار، وقيل لأنَّه أول من استن التستر بالسراويل، وقيل إنَّه لم يكن في الأرض (أي في زمنه) أخوف لله منه فعجلت له الكسوة أمانًا ليطمئن قلبه.
قوله:(ألا وإن أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم) عبارة القرطبي هنا: هذا الحديث يدل على أن النَّاس كلهم الأنبياء وغيرهم يحشرون عراة كما قال في الحديث المتقدم وأن أهل السعادة يكسون من ثياب الجنَّة ولا شك في أن من كسي من ثياب الجنَّة فقد لبس جبة تقيه مكاره الحشر وعرقه وحر الشَّمس والنَّار وغير ذلك فظاهر عمومه يقتضي أن إبراهيم يكسى قبل نبينا محمَّد صَلَّى الله عليه وسلم فيجوز أن يكون هذا من خصائص إبراهيم كما قد خص موسى عليه السَّلام بأن النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم يجده متعلقًا بساق العرش، مع أن النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم أول من تنشق عنه الأرض، ولا يلزم من هذا أن يكونا أفضل منه مطلقًا بل هو أفضل من وافى القيامة وسيد ولد آدم كما دللنا عليه فيما تقدم، ويجوز أن يراد بالنَّاس من عداه من النَّاس فلم يدخل تحت خطاب نفسه، والله تعالى أعلم اهـ من المفهم.
(ألا) أي انتبهوا واستمعوا (وإنَّه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم) أي يساق بهم (ذات الشمال) أي إلى جهة النَّار (فأقول يا رب) هم (أصحابي) أطلق عليهم لفظ