(فلولا) مخافة (أن لا تدافنوا) أصله تتدافنوا فحذفت إحدى التاءين، وفي الكلام حذف كما قدرناه أي فلولا مخافة عدم دفن بعضكم بعضًا إذا سمعتم عذاب القبر أي فلولا مخافتي ذلك موجودة (لدعوت الله) سبحانه (أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه) أي أن أسمعكم صوت من يعذب فيه، يعني أنكم لو سمعتم صوت العذاب الذي يعذب به الموتى في القبر لأمسكتم عن دفن الموتى في القبور فلولا هذه الخشية لدعوت الله أن يسمعكم صوت العذاب لتعرضوا عن الدنيا وتقبلوا إلى آخرتكم.
قوله (من عذاب القبر) بيان مقدم للموصول المتأخر وهو قوله (الذي أسمع منه) ليس المعنى أنهم لو سمعوا تركوا التدافن لئلا يصيب موتاهم العذاب كما زعمه بعضهم بأن المخاطبين وهم الصحابة كانوا عالمين أن عذاب الله ليس مردودًا بحيلة بل معناه أنهم لو سمعوه لتركوا دفنه استهانة به أو لعدم قدرتهم عليه لدهشتهم وحيرتهم منه أو ألقوهم في الصحاري البعيدة حذرًا من الفضيحة اللاحقة بهم اهـ مبارق.
(ثم أقبل علينا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بوجهه) الشريف (فقال) لنا (تعوذوا) واستجيروا (بالله) العظيم (من عذاب النار قالوا) أي قال الحاضرون معه، ففي الضمير التفات من التكلم إلى الغيبة، أي قلنا (نعوذ بالله من عداب النار فقال) لنا ثانيًا (نعوذوا بالله من عذاب القبر قالوا) أي قلنا (نعوذ بالله من عذاب القبر) ثم (قال) لنا ثالثًا (تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها) كالقتل والعذاب (وما بطن) منها كالعداوة والبغضاء والحسد (قالوا) أي قلنا (نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن) ثم (قال) لنا رابعًا (تعوذوا بالله من فتنة الدجال قالوا) أي قلنا (نعوذ بالله من فتنة الدجال) وشره.
وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات لكنه شاركه أحمد في مسنده [٥/ ١٩٠]، والطبراني في المعجم الكبير [٥/ ١٢٢].