للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَينِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ

ــ

تملكه أمتي من أقصى المشارق والمغارب منها، وظاهر هذا اللفظ يقتضي أن الله تعالى قوى إدراك بصره ورفع عنه الموانع المعتادة فأدرك البعيد من موضعه كما أدرك بيت المقدس من مكة وأخذ يخبرهم عن آياته وهو ينظر إليه، ويحتمل أن يكون مثلها الله له فرآها، والأولى أولى، وقوله (وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها) هذا الخبر قد وجد مخبره كما قال صلى الله عليه وسلم وكان ذلك من دلائل نبوته وذلك أن ملك أمته اتسع إلى أن بلغ أقصى بحر طنجة الذي هو منتهى عمارة المغرب إلى أقصى المشرق مما وراء خراسان والنهر وكثير من بلاد الهند والسند والصغد والعين ولم يتسع ذلك الاتساع من جهة الجنوب والشمال ولذلك لم يذكر صلى الله عليه وسلم أنه أُريه ولا أخبر أن ملك أمته يبلغه اهـ من المفهم.

وقال الطيبي نقلا عن الخطابي: توهم بعض الناس أن (من) في منها للتبعيض وليس ذلك كما توهمه بل هي للتفصيل للجملة المتقدمة، والتفصيل لا يناقض الجملة والمعنى أن الأرض زُويت لي جملتها مرة واحدة فرأيت مشارقها ومغاربها ثم هي تُفتح لأمتي جزءًا فجزءًا حتى يصل ملك أمتي إلى كل أجزائها، قال علي القاري في المرقاة: ولعل وجه من قال بالتبعيض هو أن ملك هذه الأمة ما بلغ جميع الأرض فالمراد بالأرض أرض الإسلام وأن منها عائد إليها على سبيل الاستخدام والله أعلم بالمراد، ويحتمل أن يقال لا يلزم من كون هذه الأمة لم يبلغ ملكها الآن إلى جميع الأرض أن لا يقع ذلك في المستقبل فقد يؤخذ من الروايات الصحيحة أن الإسلام سيكون مستوليًا على جميع بقاع الأرض في آخر الزمان وعلى هذا فلا حاجة إلى القول بالتبعيض والله أعلم.

(وأُعطيت الكنزين) يعني به كنز كسرى وهو ملك الفرس في العراق وملك قيصر وهو ملك الروم في الشام وقصورهما وبلادهما، وقد دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر حين أخبر عن هلاكهما "لتنفقن كنوزهما في سبيل الله" رواه أحمد ومسلم والترمذي.

وقوله (الأحمر والأبيض) بدل عن الكنزين وعبّر بالأحمر عن كنز قيصر لأن الغالب في نقودهم كان الدنانير، وبالأبيض عن كنز كسرى لأن الغالب في نقودهم كان الدراهم والجواهر، وقد ظهر ذلك ووجد كذلك في زمان الفتوح في خلافة عمر رضي

<<  <  ج: ص:  >  >>