يَا رسول الله؛ أيُّ الأعمال أفضل) أي أكثر أجرًا وأحبّ عند الله تعالى (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضلها (الإيمان بالله) تعالى وإفراده بالعبادة (والجهاد) أي المقاتلة مع الكفار (في سبيله) تعالى أي في طاعته وطلب مرضاته لإعلاء كلمة الله (قال) أبو ذر (قلت) له صلى الله عليه وسلم ثانيًا (أي الرقاب) أي أيّ الأرقاء (أفضل) أي أكثر أجرًا في العتق (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضلها عتقًا (أنفسها) أي أرغبها وأحبها (عند أهلها) ومواليها لحسن خلقها ولحذاقتها وجمالها وجودة رأيها وعملها (وأكثرها) عند النَّاس (ثمنًا) أي قيمة لقوتها وشدتها ومعرفتها الصناعة.
قال القرطبي: وأنفسها أغبطها وأرفعها، والمال النفيس هو المرغوب فيه قاله الأصمعيّ، وأصله من التنافس في الشيء الرفيع اهـ، قال النواوي: وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الرقاب "أفضلها أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنًا" فالمراد بها والله أعلم إذا أراد أن يعتق رقبة واحدة أما إذا كان معه أَلْف درهم وأمكن أن يشتري بها رقبتين مفضولتين أو رقبة نفيسة مثمنة فالرقبتان أفضل وهذا بخلاف الأضحية فإن التضحية بشاة سمينة أفضل من التضحية بشاتين دونها في السمن، قال البَغَويّ من أصحابنا في التهذيب بعد أن ذكر هاتين المسألتين كما ذكرت: قال الشَّافعيّ رحمه الله تعالى في الأضحية: استكثار القيمة مع استقلال العدد أحب إليّ من استكثار العدد مع استقلال القيمة، وفي العتق استكثار العدد مع استقلال القيمة أحب إلى من استكثار القيمة مع استقلال العدد لأن المقصود من الأضحية اللحم ولحم السمين أوفر وأطيب والمقصود من العتق تكميل حال الشخص وتخليصه من ذل الرق فتخليص جماعة أفضل من تخليص واحد والله أعلم.
وعبارة الأبي قوله "وأكثرها ثمنًا" هو من عطف التفسير وكانت أفضل لأنها ترجع لكثرة المتصدق به إذ الصدقة بدينار ليست كالصدقة بألف وأخذ اللخمي بظاهر الحديث فقال عتق الكافر الأكثر ثمنًا أفضل من عتق المسلم دونه ومقتضى الحديث لا فرق بين الذكر والأنثى، ومن شيوخنا من كان يرجح عتق الذكر لما يخشى من الفساد على الأنثى ولا يبعد أن يكون فك الأسير أفضل من العتق لأنه واجب وأيضًا فإن الاستخلاص من ذل الكفر آكد منه من ذل الرق اهـ.