يدل حديث أبي بكرة الذي خرجه البخاري قال لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال:"لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة" رواه البخاري [٧٠٩٩] يعني أنه لما مات كسرى ولّوا عليهم ابنته وعلى هذا فلا يصح أن يقال مكان قد مات إذا مات ولا إذا هلك لأن إذا للمستقبل ومات للماضي وهما متناقضان فلا يصح الجمع بينهما لاتحاد الراوي واختلاف المعنى إلا على تأويل بعيد وهو أن يقدّر أن أبا هريرة سمع الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم مرتين فسمع أولًا إذا هلك كسرى وبعده قد هلك كسرى فيكون النبي صلى الله عليه وسلم قال الحديث الأول قبل موت كسرى لأنه علم أنه يموت ويهلك ويكون النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا قال الحديث الثاني بعد موته، ويحتمل أن يفرق بين الموت والهلاك فيقال إن موت كسرى كان قد وقع في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فأخبر عنه بذلك وأما هلاك ملكه فلم يقع ذلك إلا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وموت أبي بكر وإنما هلك ملكه في خلافة عمر رضي الله عنه على يدي سعد بن أبي وقاص وغيره من الأمراء الذين ولاهم عمر حرب فارس فهزموا جموعه وفتحوا بلاده ونقلوا كنوزه إلى المدينة وذخائره وحليته حتى تاجه كما هو المعروف في كتب التواريخ وكان موت كسرى وتمزيق ملكه بسبب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم كما أخرج البخاري [٦٤] من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد الله بن حذافة السهمي فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى فلما قرأه مزقه فحسبت أن ابن المسيب قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق فعجل الله تعالى موته ومزق بعد ذلك ملكه، وقد تقدم أن كل ملك للفرس يقال له كسرى وكل ملك للروم يقال له قيصر وكل ملك للحبشة يقال له النجاشي، ويقال كسرى بفتح الكاف وهو قول الأصمعي والكسر لغيره.
قوله (فلا كسرى بعده ولا قيصر بعده) قال القاضي: معناه عند أهل العلم لا يكون كسرى بالعراق ولا قيصر بالشام فاعلم بانقضاء ملكهما وزواله من هذين القطرين فكان كما قال، وانقطع أمر كسرى بالكلية وتمزق ملكه واضمحل وتخلى قيصر عن الشام ورجع القهقرى إلى داخل بلاده واحتوى المسلمون على ملكهما وكنوزهما وأُنفقا في سبيل الله كما أخبر عنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم اهـ من المفهم.