العرب موضع كلام أكثر منها طلبًا للاختصار والأصل في قولك أخوف من كذا أي كذا يزيد خوفه على كذا فتقدر بالمصدر والفعل ثم وُضعت أخوفني موضع أخوف مني ولما تضمنت معنى المصدر ووُضعت موضعه أظهر معها الضمير الذي يظهر مع المصدر، قال الأبي: النون المذكورة هي المسماة بنون الوقاية وحقها أن لا تدخل إلا في الأفعال المتعدية نحو أكرمني وإنما دخلت فيها لتقيها الكسر لأن ياء المتكلم لا يكون ما قبلها إلا مكسورًا والأفعال لا يدخلها الكسر فألحقت بها النون وجُعل فيها الكسر ولذلك سميت نون الوقاية ولهذه العلة فالأصل أن لا تلحق الأسماء لأن الأسماء يدخلها الكسر ولذلك قل دخولها على الأسماء لعدم الحاجة إليها ومنه قوله:
وما أدري وظني كل ظن. . . أمسلمني إلى قومي شراحي
يعني شراحيل فرخمه في غير النداء للضرورة فدخلت على مسلمي وهو اسم فاعل، ولما كان أفعل التفضيل أشبه الأشياء بالأفعال على ما هو مقرر في علم العربية لحقه النون كما في رواية الأكثر في هذا الحديث على الأصل في تركيب ما وقع في هذا الحديث.
وأما معنى الحديث فذكر النووي عن شيخه ابن مالك في تقريره ثلاثة أوجه قال: أظهرها أن يكون التقدير أخوف مخوفاتي عليكم غير الدجال فحُذف المضاف إلى ياء المتكلم، ومنه "أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون" أي إن الأشياء التي أخافها على أمتي أحقها بأن تخاف الأئمة المضلون، والثاني أن يكون أخوف من أخاف بمعنى خوف بتشديد الواو ومعناه غير الدجال أشد موجبات خوفي عليكم، والثالث أن يكون من وصف المعاني بما تُوصف به الأعيان على وجه المبالغة كقولهم في الشعر الفصيح شعر شاعر، وخوف فلان أخوف من خوفك، والمعنى هنا خوف غير الدجال أخوف خوفي عليكم، ثم حُذف المضاف الأول ثم الثاني اهـ من الأبي.
(إن يخرج) الدجال ويظهر (وأنا) حي (فيكم فأنا حجيجه) أي محاجه ومخاصمه وقاطعه بالحجة بإظهار كذبه وإفساد قوله (دونكم) أي من غير افتقار وحاجه إلى محاجة شخص معين يدافعه عنكم أي فأنا كاف لكم في محاجته (وإن يخرج) ويظهر الدجال (و) أنا (لست فيكم فامرؤ) أي فكل امرئ منكم والدليل على عمومه قوله "والله خليفتي على