قال النووي: وفي معناه قولان: الأول أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر الكلام في شأنه فتارة رفع صوته ليسمعه كل أحد وأخرى خفض صوته ليستريح من تعب الجهر، والثاني أن المراد من التخفيض تصغير شأنه وتحقيره كما ذكر أنه أعور وأنه أهون على الله من ذلك وأنه لا يقدر على قتل أحد إلا ذلك الرجل ثم يعجز عنه وأنه يضمحل أمره ويُقتل بيد عيسى - عليه السلام - والمراد من الترفيع تعظيم فتنته حيث تصدر منه أمور خارقة للعادة وأنه ليس بين يدي الساعة أحد أعظم فتنة من الدجال.
أي أكثر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإنذار في الدجال (حتى ظنناه) أي حتى ظننا أن الدجال مختف (في طائفة) أي في قطعة من (النخل) قريبة إلينا يعني أنه - صلى الله عليه وسلم - وصفه بصفات كثيرة من الفتن حتى ظننا أنه مختف في مكان قريب إلينا (فلما رحنا) أي رجعنا (إليه) - صلى الله عليه وسلم - في الرواح أي في آخر النهار (عرف) - صلى الله عليه وسلم - (ذلك) الظن الهائل (فينا) أي عرف منا أنا ظننا وجوده في طائفة من النخل (فقال) لنا (ما شأنكم) وحالكم في الخوف من الدجال أشد الخوف حتى ظننتم أنه قريب إليكم فـ (قلنا) له (يا رسول الله) أنك (ذكرت) لنا (الدجال) وفتنته (غداة) أي في أول النهار (فخفضت فيه) أي في ذكره صوتك تارة (ورفعتـ) ـه أخرى (حتى ظنناه) أنه قريب إلينا مختف (في طائفة النخل) القريبة إلينا فلذلك خفنا منه خوفًا شديدًا (فقال) لنا (غير الدجال) من دعاة جهنم (أخوفني) أي أشد خوفًا (عليكم) عندي، والمعنى إني أخاف عليكم من غير الدجال أكثر مما أخافه عليكم منه أي غير الدجال أخوف عندي عليكم من الدجال فحُذف للعلم به.
قوله (غير الدجال أخوفني عليكم) قال القاضي: رويناه عن الأكثر أخوفني بالنون بعد الفاء ورُوي عن أبي بحر أخوفي بغير نون وهي قليلة حكاها ثابت، وقد وقع في الترمذي أخوف لي، قال القرطبي: وهو الموافق لقاعدة العربية، قال أبو مروان بن سرّاج: أفعل التي للمفاضلة لا تُستعمل إلا مع من يقال زيد أفضل من عمرو، وضعتها