لَعَظِيمٌ. قَال: قُلْتُ: ثُمّ أَيٌّ؟ قَال: ثُمّ أن تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أن يَطعَمَ مَعَكَ
ــ
تعالى، وهو خلقك وحده (لعظيم) أي لأمر عظيم، وذنب كبير حقًّا، لا شك فيه, لأن فيه جحد نعمة الخلق والإيجاد (قال) عبد الله (قلت) له صلى الله عليه وسلم (ثم) بعد ذلك الجعل المذكور (أيٌّ) أي أيُّ الذنب أعظم عند الله تعالى، وأشد عقوبة، والتنوين في أيٌّ عوض عن المضاف إليه المحذوف, لأنها معربة بالضمة الظاهرة، وثم هنا للترتيب في الإخبار والذكر، ولا يصح كونها للترتيب الزماني، إذ لا يتصور فيه، ولا للترتيب الرتبي لأن شرطه كون المعطوف أعظم كقوله:"يرى غمرات الموت ثم يزورها" وهو هنا بالعكس فهي هنا للترتيب في الإخبار فقط.
(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم) أعظم الذنب بعد الإشراك (أن تقتل ولدك مخافة) أي كراهة (أن يطعم) ويأكل (معك) مالك فيدخل عليك الفقر، وهو بمعنى قوله تعالى {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} أي فقر، وفي الأخرى {مِنْ إِمْلَاقٍ} فالأولى نهي للأغنياء أن يقتلوا خوف الفقر الآتي، والثانية للفقراء أن يقتلوا تخفيفًا للعيال، والحديث جامع لمعنى الآيتين، والعرب إنما كانت تفعله في البنات، لتخفيف المؤونة، ولفرط الغيرة لما يعرض من فضيحة النساء، ويتحملون ذلك في الذكر لما يرجون فيه من حماية الجانب وتكثير العشيرة، بخلاف البنات، قال السهيلي: وما ذكر أنَّهم يفعلونه خشية الإملاق أصح، وهو الموءودة المذكورة في قوله تعالى {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} وذكر الولد قيد في كون القتل أقبح لا في كونه كبيرة, لأنه ضد ما جبلت عليه الآباء من الرقة، فلا يقع إلَّا من جافي الطبع، لا سيما وقد قيل إنهم كانوا يدفنونه حيًّا.
قال القرطبي قوله (أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك) هذا من أعظم الذنوب لأنه قتل نفس محرمة شرعًا، محبوبة طبعًا، مرحومة عادة، فإذا قتلها أبوها كان ذلك دليلًا على غلبة الجهل والبخل، وغلظ الطبع والقسوة، وأنه قد انتهى من ذلك كله إلى الغاية القصوى، وهذا نحو قوله تعالى {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ}[الأنعام: ١٥١] أي فقر، وهذا خطاب لمن كان فقره حاصلًا في الحال، فيخفف عنه بقتل ولده، مؤنته من طعامه ولوازمه، وهذه الآية بخلاف الآية الأخرى التي قال فيها {خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} سورة الإسراء، آية (٣١) فإنَّه خطاب لمن كان واجدًا لما ينفق عليه في الحال، غير أنَّه كان يقتله مخافة الفقر في ثاني حالٍ وكان بعض جفاة الأعراب وجهالهم ربما يفعلون ذلك، وقد قيل إن الأولاد في هاتين الآيتين هم البنات كانوا يدفنونهن أحياء أنفة وكبرًا ومخافة