أي الفقراء هم السابقون، وفي مقدار المدة التي بها يسبقون، فهذان موضعان وقع فيهما الاختلاف ويرتفع الخلاف عن الموضع الأول بأن يرد مطلق حديث أبي هريرة إلى مقيد روايته الأخرى ورواية جابر رضي الله عنه فيُعنى بالفقراء فقراء المسلمين وحينئذ يكون حديث عبد الله بن عمرو وحديث أبي سعيد مخصوصًا بفقراء المهاجرين وحديث أبي هريرة وجابر يعم جميع فقراء قرون المسلمين فيدخل الجنة فقراء كل قرن قبل أغنيائهم بالمقدار المذكور وهذه طريقة حسنة ونزيدها وضوحًا بما قد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "أصحاب الجنة محبوسون على قنطرة بين الجنة والنار يسألون عن فضول أموال كانت بأيديهم" رواه البخاري [٦٥٣٥] وهذا واضح.
وأما الموضع الثاني فقد تقدم أن الخريف هو العام وأصل الخريف فصل من فصول السنة وهو الفصل الذي تخترف فيه الثمار أي تجتنى فسُمي العام بذلك ويمكن الجمع بين الأربعين وحديث الخمسمائة بأن سُبّاق الفقراء يدخلون قبل سُبّاق الأغنياء بأربعين عامًا وغير سُبّاق الأغنياء بخمسمائة عام إذ في كل صنف من الفريقين سُبّاق والله أعلم. وهذه الأحاديث واضحة على تفضيل الفقر على الغنى ويتقرر ذلك من أوجه:
(أحدها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا لجبر انكسار قلوب الفقراء وليهون عليهم ما يجدونه من مرارة الفقر وشدائده بمزية تحصل لهم في الدار الآخرة على الأغنياء عوضًا لهم عما حرموه من الدنيا وصبرهم ورضاهم بذلك.
(وثانيها: أن السبق إلى الجنة ونعيمها أولى من التأخر عنها بالضرورة فهو أفضل.
(وثالثها: أن السبق إلى الفوز من أهوال يوم القيامة والصراط أولى من المقام في تلك الأهوال بالضرورة فالسابق إلى ذلك أفضل بالضرورة وحينئذ لا يلتفت إلى قول من قال إن السبق إلى الجنة لا يدل على أفضلية السابق، وزخرف ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الخليقة ومع ذلك فدخوله الجنة متأخر عن دخول هؤلاء الفقراء لأنهم يدخلون قبله وهو في أرض القيامة تارة عند الميزان، وتارة عند الصراط، وتارة عند الحوض، كما قد أخبر عن ذلك فيما صح عنه، وهذا قول باطل صدر عمن هو بما ذكرناه وبالنقل جاهل، فكأنه لم يسمع ما تقدم في كتاب الإيمان من قوله صلى الله عليه وسلم: "أنا أول من يقرع باب الجنة فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: أنا محمد، فيقول