على الخبر على النفي، والمعنى لا يُخدع المؤمن المتيقظ الحازم (من جحر واحد) أي من جهة واحدة وفي سبب واحد (مرتين) أي مرة بعد أخرى أي لا يُخدع خداعًا ثانيًا بعدما خُدع أولًا بل يستيقظ من الخداع الأول فلا يستغفل ثانيًا، ورُوي بكسر الغين على النهي أي ليكن فطنًا كيسًا حاذقًا حازمًا لئلا يقع في مكروه مرتين، والأول أكثر وأصح وأوفق بما سيأتي من سبب الحديث، واللدغ في الأصل يكون من ذوات السموم كالحية والعقرب، واللذع يكون بالنار.
قال الحكيم: وهذا في المؤمن الكامل البالغ في إيمانه فالمؤمن المخلط يُلدغ مرات وهو لا يشعر ولا يجد لوعة اللدغة، وقد عُمل فيه السم، ولو أفاق وعلم كان يجتهد في الحذر فالمؤمن الكامل يندم من خطيئة ويأخذه القلق ويتلوّى كاللديغ، قال: فقوله لا يُلدغ من جحر مرتين تمثيل ومعناه لا ينبغي للمؤمن إذا نكب من وجه أن يعود إليه.
قال القرطبي: ومعنى هذا المثل أن الذي لُدغ من جحر لا يعيد يده إليه أبدًا إذا كان فطنًا حذرًا ولا لما يشبهه فكذلك لكياسته وفطانته وحذره إذا وقع في شيء مما يضره في دينه ودنياه لا يعود إليه. وقال أيضًا: وهذا مثل صحيح وقول بليغ ابتكره النبي - صلى الله عليه وسلم - من فوره ولم يُسمع من غيره، وذلك أن السبب الذي أصدره عنه هو أن أبا عزيز بن عمير الشاعر أخا مصعب بن عمير كان يهجو النبي - صلى الله عليه وسلم - ويؤذيه ويؤذي المسلمين فأمكن الله تعالى منه يوم بدر فأُخذ أسيرًا أو جيء به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله أن يُمنّ عليه ولا يعود لشيء مما كان يفعله، فمن النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه فأطلقه، فرجع إلى مكة وعاد إلى أشد مما كان عليه، فلما كان يوم أحد أمكن الله منه، فأُسر فأُحضر بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسأله أن يمن عليه، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين، والله لا تمسح عارضيك بمكة أبدًا" فأمر بقتله فقُتل.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأدب باب لا يُلدغ المؤمن [٦١٣٣]، وأبو داود في الأدب باب في الحذر من الناس [٤٨٦٢]، وابن ماجه في الفتن باب العزلة [٤٠٣٠]، وأحمد [٢/ ١١٥ و ٣٧٩].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فقال: