للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ووجهه أن جهة الكبرياء يستدعي متكبَّرًا عليه، ولذلك لما فسر الكبر قال: "الكبر بطر الحق وغمط الناس" وهو احتقارهم، فذكر المتكبَّر عليه وهو الحق أو الخلق، والعظمة لا تقتضي ذلك، فالمتكبر يُلاحظ ترفع نفسه على غيره بسبب مزية كمالها فيما يراه، والمُعظم يُلاحظ كمال نفسه من غير ترفع لها على غيره، وهذا التعظيم هو المعبر عنه بالعجب في حقنا إذا انضاف إليه نسيان منة الله تعالى علينا، فيما خصنا به من ذلك الكمال، وإذا تقرر هذا فالكبرياء والعظمة من أوصاف كمال الله سبحانه وتعالى، واجبان له إذ ليست أوصاف كمال الله وجلاله مستفادة من غيره، بل هي واجبة الوجود لذواتها بحيث لا يجوز عليه العدم، ولا النقص، ولا يجوز عليه تعالى نقيض شيء من ذلك، فكماله وجلاله حقيقة له بخلاف كمالنا، فإنه مستفاد من الله تعالى ويجوز عليه العدم، وطروء النقيض والنقص، وإذا كان هذا فالتكبر والتعاظم خَرَقٌ منا، ومستحيل في حقنا، ولذلك حرمهما الشرع، وجعلهما من الكبائر، لأن من لاحظ كمال نفسه، ناسيًا منة الله تعالى فيما خصه به، كان جاهلًا بنفسه وبربه، مغترًا بما لا أصل له، وهي صفة إبليس الحاملة له على قوله {أَنَا خَيرٌ مِنْهُ} [الأعراف: ١٢]، وصفة فرعون الحاملة له على قوله {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: ٢٤] ولا أقبح مما صار إليه فلا جرم كان فرعون وإبليس أشد أهل النار عذابًا، نعوذ بالله من الكبر والكفر، وأما من لاحظ من نفسه كمالًا، وكان ذاكرًا فيه منة الله تعالى عليه به، وأن ذلك من تفضله تعالى ولطفه، فليس من الكبر المذموم في شيء، ولا من التعاظم المذموم، بل هو اعتراف بالنعمة، وشكر على المنة، والتحقيق في هذا أن الخلق كلهم قوالب وأشباح، تجري عليهم أحكام القدرة فمن خصه الله تعالى بكمال، فذاك الكمال يرجع للمكمل الجاعل، لا للقالب القابل، ومع ذلك فقد كمَّل الله الكمال بالجزاء والثناء عليه، كما قد نقّص النقص بالذم والعقوبة عليه، فهو المعطي والمثني، والمُبلي والمعافي، كيف لا وقد قال العلي الأعلى "أنا الله خالق الخير والشر، فطوبى لمن خلقته للخير وقدرته عليه، والويل لمن خلقته للشر وقدرته عليه"، فلا حيلة تعمل مع قهر {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: ٢٣].

ولما تقرر أن الكبر يستدعي متكبَّرًا عليه والمتكبر عليه، إن كان هو الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم أر الحق الذي جاءت به رسله، فذلك الكبر كفر، وإن كان

<<  <  ج: ص:  >  >>