من صدر منه أمر ما يدل على الدخول في دين الإسلام، من قول أو فعل حُكم له بذلك الإسلام وأن ذلك ليس مقصورًا على النطق بكلمتي الشهادة، وقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام بني جذيمة الذين قتلهم خالد بن الوليد؛ وهم يقولون صبأنا صبأنا، ولم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال:"اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد" رافعًا يديه إلى السماء، ثم وَدَاهم، رواه أحمد والبخاري والنسائي من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.
والتعبير بأسلمت في هذه الراوية، يحتمل أنه من راوي قول المقداد، لقول المقداد في الطريق الثاني فقال لا إله إلا الله فيكون نقلًا بالمعنى، ويحتمل أنه من تعبير المقداد فيحتج به للدخول في الإسلام، بكل ما يدل على الدخول فيه من قول أو فعل، مما يتنزل منزلة النطق بالشهادتين. قوله (أفأقتله) سأل لظنه أن الإسلام خوف السيف لا ينفع، فأخبره صلى الله عليه وسلم أن الحكم على الظاهر، ولعل المقداد لم يكن سمع حديث "أُمرت أن أقاتل الناس" اهـ أبي.
قوله (فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله) قال بعضهم معناه: قتلت مؤمنًا مثلك، لأن الكلمة عَصَمت دمه، وأنت بمنزلته إذ لعله كان يُخفي إيمانه من قوم كفار، وأُخرج كرهًا، وقطعَ يدك متأولًا جواز ذلك في الدفع عن نفسه، كما كنت أنت بمكة تُخفي إيمانك، وأخرج أهل مكة من معهم من المسلمين كرهًا، وتأولت جواز قتله بعد أن قال كلمته.
ويشهد لهذا التأويل ما في البخاري من زيادة "وقال النبي صلى الله عليه وسلم للمقداد إذ كان يُخفي إيمانه بين قوم كفار، فأظهر إيمانه فقتله، كذلك كنت أنت بمكة تُخفي إيمانك بين قوم كفار.
قوله (وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال) ظاهره في الكفر، وليس ذلك بصحيح، لأنه إنما قتله متأولًا أنه باق على كفره، فلا يكون قتله كبيرة، وإذا لم يكن قتله كبيرة لم يصح لأحد، وإن كان مكفرًا بالكبائر، أن يقول هذا كفر بوجه، فدل ذلك على أنه متأول، وقد اختلف في تأويله، فقال أبو الحسن بن القصار: هو مثله، في كونه غير معصوم الدم، معرضًا للقصاص.