للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَال فَقَال سَعْدٌ: وَأَنَا وَاللهِ لَا أقْتُلُ مُسْلِمًا حَتَّى يَقْتُلَهُ

ــ

قال القرطبي: وإنما تمنى أسامة أن يتأخر إسلامه إلى يوم المعاتبة، ليسلم من تلك الجناية السابقة، وكأنه استصغر ما كان منه من الإسلام والعمل الصالح قبل ذلك، في جنب ما ارتكبه من تلك الجناية لما حصل في نفسه من شدة إنكار النبي صلى الله عليه وسلم لذلك وعظمه، فإن قيل إذا استحال أن يكون قتل أسامة لذلك الرجل عمدًا لما ذكرتم، وثبت أنه خطأ، فلم لم تلزمه الكفارة والعاقلة والدية، فالجواب: أن ذلك مسكوت عنه، وغير منقول شيء منه في الحديث، ولا في شيء من طرقه، فيحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم حكم بلزوم ذلك أسامة وعاقلته، ولم ينقل، وفيه بعد، إذ لو وقع شيء من ذلك لنقل في طريق من الطرق، مع أن العادة تقتضي التحدث بذلك والإشاعة ويَحتمِل أن يُقال إن ذلك كان قبل نزول حكم الكفارة والدية والله أعلم اهـ. قرطبي.

وقد أجاب بعض أصحابنا عن عدم إلزام الدية بأجوبة نذكرها على ضعفها: أحدها أنها لم تلزمه، ولا عاقلته لأنه كان مأذونًا له في أصل القتال، فلا يكون مأخوذًا بما وقع منه من إتلاف نفس أو مالٍ، كما تسقط الدية في خطأ الإمام، وعمن أُذن له في شيء، فأتلفه غلطًا كالأجير والخاتن والطبيب، وثانيها إنما لم يلزمه ذلك لأن المقتول كان من العدو، وكان فيهم ولم يكن له ولي من المسلمين يستحق ديته، فلا تجب فيه دية، كما قال الله تعالى {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] ولم يحكم فيه بسوى الكفارة، وثالثها أن أسامة اعترف بالقتل، ولم تقم بذلك بينة، ولا تعقل العاقلة عمدًا ولا عبدًا ولا صلحًا ولا اعترافًا، ولم يكن لأسامة مالٌ فيكون فيه الدية، ذكره القرطبي أيضًا، وقال: وهذه الأوجه لا تسلم من الاعتراض، وتتبع ذلك يُخرج الكلام عن المقصود اهـ منه.

وقال ابن رشد: قتل أسامة ليس من العمد الذي فيه الإثم، ولا من الخطأ الذي فيه الدية والكفارة، وإنما هو عن اجتهاد تبين خطؤه، ففيه لأسامة أجر واحد، وإنما عاتبه النبي صلى الله عليه وسلم لتركه الاحتياط، ولئلا يقع منه القتل مرة ثانية، فيمن قالها صدقًا، ولذا حلف أسامة ألا يقاتل مسلمًا، ولذا تخلف عن نصرة عليّ رضي الله تعالى عنهما اهـ سنوسي.

(قال) أبو ظبيان (فقال سعد) بن أبي وقاص (وأنا والله لا أقتل مسلمًا حتى يقتله)

<<  <  ج: ص:  >  >>