للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَمَا زَال يُكَرِّرُهَا عَلَي حَتَّى تَمَنَّيتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ"

ــ

لم يقلها خوفًا منه، وقال النواوي: الفاعل في قالها هو القلب، ومعناه أنك إنما كُلفت من العمل بما ظهر باللسان، وأما ما في القلب فلست بقادر على معرفته، أي أفلا شققت عن قلبه، لتنظر هل قالها القلب واعتقدها، وكانت فيه أم لم تكن فيه.

قال القرطبي: أي قالها بقلبه، وتكلم بها مع نفسه، ففيه دليل لأهل السنة على أن حديث النفس كلام وقول، كما قال شاعرهم:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جُعل اللسان على الفؤاد دليلا

فهو ردٌّ على من أنكر ذلك من المعتزلة، وأهل البدع، وفيه دليل على ترتيب الأحكام على الأسباب الظاهرة الجلية، دون الباطنة الخفية اهـ.

لأن الباطن لا يُعرف ولا يوصل إليه، وأن من أسلم في هذه الحالة يُقبل منه، ويَحرُم قتله، قال الأبي: كان الشيخ يقول: إلا أن يكون القتل قد وجب عليه، كما لو تعرض لجناب الرسول صلى الله عليه وسلم بما يُوجب قتله فلما قرب للقتل أسلم، فلا يقبل منه في رفع ما وجب عليه من القتل، كما لا تسقط توبة المحارب ما وجب عليه من القصاص.

قال أسامة (فما زال) وانفك رسول الله صلى الله عليه وسلم (يكررها) أي يكرر كلمة أفلا شققت (عليَّ) وعبارة القرطبي قوله (فما زال يكررها) أي يكرر كلمة الإنكار، وظاهر هذه الرواية، أن الذي كرر عليه إنما هو قوله: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا، وفي الرواية الأخرى أن الذي كرر عليه إنما هو قوله: كيف تصنع بلا إله إلا الله، إذا جاءت يوم القيامة، ووجه الجمع بينهما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كرر الكلمتين معًا، غير أن بعض الرواة ذكر إحدى الكلمتين، وذكر البعض الآخر منهم الكلمة الأخرى، وتكرار تلك الكلمة عليه إنكار شديد، وزجر أكيد، وإعراض عن قبول عذر أسامة الذي أبداه بقوله "إنما قالها خوفًا من السلاح" اهـ.

أي فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرر تلك الكلمة على (حتى تمنيت) ووددت وأحببت (أني أسلمت يومئذ) أي يوم إذ كرر عليَّ تلك الكلمة، ليكون إسلامي في ذلك اليوم جابًا وقاطعًا عني إثم قتل ذلك الرجل، لأن الإسلام يجب ويقطع عن صاحبه ما وقع عنه قبله من المعاصي، ويُسقط عنه المؤاخذة بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>