وحَرْبنا معاشر المسلمين (السلاح) أي سلاح القتل والحرب كالسيف والرمح والقوس (فليس) ذلك الحاملُ (منا) معاشر المسلمين، أي من أهل ديننا، إن استحل ذلك فهو كافر، وإلا فالمعنى فليس هو على هدينا وعملنا، فهو عاصٍ مذنبٌ، ليس بكافر، قال الأبي: وكان هذا جوابًا لأن هديه أخص من مطلق اتباعه، فلا يلزم من كونه ليس على هديه، أن لا يكون من أمته، إذ لا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم، ويعني بحمل السلاح، حملها لا بحق، وإن لم يقاتل، كالمحارب يحملها ولم يقاتل، فلا يتناول حملها لنصرة من تجب نصرته من المسلمين، قال النووي: كان ابن عيينة يكره تأويل هذا الحديث، لأن ترك التأويل أزجر وأرح اهـ.
قال القرطبي: أي من حمل علينا مقاتلًا، كما في الرواية الآخرى "من سل علينا السيف فليس منا" ويعني بذلك النبي صلى الله عليه وسلم نفسه وغيره من المسلمين، ولا شك في كفر من حارب النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فيكون قوله عليه الصلاة والسلام (فليس منا) أي ليس بمسلم بل هو كافر وأما من حارب غيره من المسلمين؛ متعمدًا مُستحلًّا من غير تأويل؛ فهو أيضًا كافر كالأول وأما من لم يكن كذلك، فهو صاحب كبيرة، إن لم يكن متأولًا تأويلًا مسوغًا.
وقد تقدم أن مذهب أهل الحق لا يكفر أحدٌ من المسلمين بارتكاب كبيرة، ما عدا الشرك، وعلى هذا فيُحمل قوله عليه الصلاة والسلام (ليس منا) في حق مثل هذا، على معنى ليس على طريقتنا، ولا على شريعتنا، إذ سنة المسلمين وشريعتهم التواصل والتراحم، لا التقاطع والتقاتل، ويجري هذا مجرى قوله صلى الله عليه وسلم "من غشنا فليس منا" ونظائره، وتكون فائدته الردع والزجر عن الوقوع في مثل ذلك، كما يقول الوالد لولده إذا سلك غير سبيله: لستُ منك ولست مني، كما قال الشاعر:
إذا حاولت في أسدٍ فجورًا ... فإني لستُ منك ولست مني
وفي المازري "في أمرٍ" بدل في أسد.
وهذا الحديث أعني حديث ابن عمر شارك المؤلف في روايته أحمد (٢/ ٣ و ١٦ و ٥٣ و ١٤٢ و ١٥٠) والبخاري (٧٠٧٠) والنَّسائي (٧/ ١١٧ - ١١٨) وابن ماجة (٢٥٧٦).