إبطالها، وقال القاضي: استحق ذلك لغشه الإمام والمسلمين، لأنه يظن أنَّه إنما بايعه ديانة، وهو قَصَدَ ضد ذلك، مع ما يثير من الفتن، لا سيما إن كان متبوعًا انتهى.
قال القرطبي قوله:(ورجل بايع إمامًا لا يبايعه إلَّا لدنيا) إنما استحق هذا الوعيد الشديد لأنه لم يقم لله تعالى بما وجب عليه من البيعة الدينية، فإنها من العبادات التي تجب فيها النية والإخلاص، فإذا فعلهما لغير الله تعالى من دنيا يقصدها، أو غرض عاجلٍ يقصده بقيت عهدتها عليه لأنه منافق مراء غاش للإمام والمسلمين غير ناصح في شيء من ذلك، ومن كان هذا حاله كان مثيرًا للفتن بين المسلمين، بحيث يسفك دماءهم، ويستبيح أموالهم، ويهتك بلادهم، وسعى في إهلاكهم لأنه إنما يكون مع من بلَّغه إلى أغراضه، فيبايعه لذلك وينصره ويغضب له ويقاتل مخالفه، فينشأ من ذلك تلك المفاسد، وقد تكون هذه المخالفة في بعض أغراضه فينكث بيعته ويطلب هلكته، كما هو حال أكثر أهل هذه الأزمان، فإنهم قد عمهم الغدر والخذلان.
قوله (فإن أعطاه منهما وفى) إلخ هكذا الرواية (وفى) بتخفيف الفاء و (يف) محذوف الواو والياء مخففًا، وهو الصحيح هنا رواية ومعنى، لأنه يقال وفى بعهده يفي وفاءً، والوفاء ممدود: ضد الغدر، ويقال: أوفى بمعنى وفى، وأما (وفَّى) المشدد الفاء فهو بمعنى توفية الحق وإعطائه، يقال: وفاه حقه يُوفيه توفية، ومنه قوله تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧)} [النجم: ٣٧]، أي قام بما كلفه من الأعمال كخصال الفطرة وغيرها، كما قال الله تعالى:{فَأَتَمَّهُنَّ}[البقرة: ١٢٤].
وحكى الجوهري: أوفاه حقه، وعلى هذا، وعلى ما تقدم فيكون أوفى بمعنى الوفاء بالعهد، وتوفية الحق والأصل أوفى: أطل على الشيء وأشرف عليه.
واعلم: أن اختلاف بيان الثلاثة في أحاديث الباب أعني حديث أبي ذر وحديثي أبي هريرة محمول على اختلاف حاجة المُخاطبين بها إلى بيان تلك الثلاثة المذكورة في كل حديث من تلك الأحاديث هكذا ظهر لفهمي السقيم، ولم أرَ من ذكره، وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة الثاني شارك المؤلف في روايته أحمد (٢/ ٢٥٣) والبخاري (٢٣٥٨) وأبو داود (٣٤٧٤) و (٣٤٧٥) والنَّسائي (٧/ ٢٤٧) ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة هذا رضي الله تعالى عنه فقال: