للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لا يُبَايِعُهُ إِلا لِدُنْيَا، فَإِنْ أعْطَاهُ مِنْهَا وَفَى، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا لَمْ يَفِ"

ــ

تعالى {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: ٤٥]، أي تحمل على الامتناع عن ذلك مما يحدث في قلب المصلي بسببها من النور والانشراح والخوف من الله تعالى، والحياء منه، ولهذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزد من الله إلَّا بعدًا" رواه الطبراني في الكبير من حديث ابن عبَّاس رضي الله تعالى عنهما.

وإذا كان هذا في الصلوات كلها كانت الوسطى بذلك أولى، وحقها في ذلك أكثر وأوفى فمن اجترأ بعدها على اليمين الغموس التي يأكل بها مال الغير كان إثمه أشد وقلبه أفسد والله سبحانه وتعالى أعلم.

وهذا الذي ظهر لي، أولى مما قاله القاضي أَبو الفضل، فإنه إنما كان ذلك لاجتماع ملائكة الليل وملائكة النهار في ذلك الوقت لوجهين:

أحدهما: لأن هذا المعنى موجود في صلاة الفجر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ثم يجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر" رواه البخاري ومسلم والنَّسائي، فتبطل خصوصية العصر لمساواة الفجر لها في ذلك.

وثانيهما: أن حضور الملائكة واجتماعهم إنما هو في حال فعل هاتين الصلاتين لا بعدهما كما قد نص عليه في الحديث حين قال: "يجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر وتقول الملائكة أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون" وهذا يدل دلالة واضحة على أن هؤلاء الملائكة لا يشاهدون من أعمال العباد إلَّا الصلوات فقط وبها يشهدون، فتدبر ما ذكرته فإنه الأنسب الأسلم، والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ قرطبي.

(و) ثالثهم (رجل بايع) وعاهد (إمامًا) وسلطانًا على الإمامة حالة كونه (لا يبايعه) أي لا يريد مبايعته (إلا للدنيا) أي إلَّا لأجل نيل حظوظ الدنيا منه من المال والجاه وغيرهما لا لاتفاق الكلمة (فإن أعطاه) أي فإن أعطاه الإمام (منها) أي من الدنيا (وفى) وبرَّ ونفَّدَ تلك البيعة فلا ينقضها ولا يخدعه (وإن لم يعطه) أي وإن لم يُعطِ الإمام ذلك الرجل مراده (منها) أي من الدنيا (لم يفِ) ذلك الرجل بيعة الإمام، بل ينقضه ويسعى في

<<  <  ج: ص:  >  >>