بالحلف هنا التعليق كقوله: إن فعلت كذا وكذا فأنا يهودي أو نصراني، فأطلق الحلف هنا على التعليق لأجل البر لكونه داعيًا إلى الفعل أو الترك كاليمين، وإلا فحقيقة الحلف بالشيء هو القسم به بإدخال بعض حروفه عليه، وأطلق اليمين أيضًا على المحلوف عليه ذكرًا للكل وإرادة للبعض، فإن اليمين هو مجموع المقسم به والمقسم عليه اهـ.
(فهو) أي ذلك الحالف بملة غير الإسلام (كما قال) أي على ما قال من اليهودية أو النصرانية لاعتقاده تعظيمها، وأما إن كان الحالف بذلك غير معتقد تعظيمها فهو آثم مرتكب كبيرة، قال الأبي: والحالف بالشيء معظم له، فإن عظم ما يُعظم صدق وإلا كذب، قال القاضي: فالحالف بملة غير الإسلام إن تعمد تعظيمها لاعتقاده حقيتها فهو كاذب كافر، وزيادة شعبة (كاذبًا) على هذا حسنةٌ، وإن لم يعتقد حقيتها بل حلف وقلبه مطمئن بالإيمان فهو كاذب في تعظيم ما لا يعظم، قال الأبي: فإن حُمِلَ الحديث على الأول لم يحتج إلى تأويل، وإن حُمل على الثاني فيتأول بنحو ما تقدم.
والملة عرفًا: ما شرعه الله سبحانه وتعالى لعباده على ألسنة رسله عليهم الصلاة والسلام فيتوسع فيها فتطلق على الملة الباطلة، فيقال: الكفر ملة واحدة، أي طريقة واحدة وإن اختلفت أديانها، ومن إطلاقها على ذلك هذا الحديث، وقوله تعالى:{إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ} ولتخصيصها عرفًا بملة الحق تجد بعض المتكلمين إذا نقل مذهب أهل السنة يقول: قال المِلِّيُّون اهـ.
وعبارة المُفهم قوله (كاذبًا متعمدًا) يَحتمل أن يريد به النبي صلى الله عليه وسلم من كان معتقدًا لتعظيم تلك الملة المغايرة لملة الإسلام، وحينئذ يكون كافرًا حقيقة فيبقى اللفظ على ظاهره و (كاذبًا) منصوب على الحال من فاعل حلف، أي حلف في حال تعظيم تلك الملة التي حلف بها، فتكون هذه الحال من الأحوال اللازمة كقوله تعالى:{وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا}[البقرة: ٩١] لأن من عظَّم ملة غير الإسلام كان كاذبًا في تعظيمه دائمًا في كل حال، وكل وقت لا ينتقل عن ذلك.
ولا يصح أن يقال إنه يعني بكونه كاذبًا في المحلوف عليه، لأنه يستوي في ذمه كونه صادقًا أو كاذبًا إذا حلف بملة غير الإسلام، لأنه إنما ذمه الشرع من حيث إنه حلف