للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَبَينَمَا هُمْ عَلَى ذلِكَ إِذْ قِيلَ: إِنهُ لَمْ يَمُتْ، وَلكِنَّ بِهِ جِرَاحًا شَدِيدًا. فَلَمَّا كَانَ مِنَ اللَّيلِ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الْجِرَاحِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِذلِكَ فَقَال: اللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنِّي عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ

ــ

قول النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل النار مع ما ظهر منه من نصر الدين، أي قارب الشك ولم يقع منه شك وقوله (أن يرتاب) قال النووي: كذا هو في الأصول أن يرتاب فأثبت أن مع كاد وهو جائز ولكنه قليل، وهي لمقاربة الفعل، وقال الواحدي: نفيها إيجاب وإيجابها نفي، فكاد يقوم معناه قارب القيام ولم يقم، وما كاد يقوم قام بعد بطء (فبينما هم) أي المسلمون (على ذلك) الارتياب أي على مقاربته (إذ قيل) وإذ بسكون الذال هنا فجائية واقعة في جواب بينما، أي فاجأهم قول بعضهم لبعض (إنه) أي ذلك الرجل الذي قاتل قتالًا شديدًا وجُرح جرحًا شديدًا حيٌّ (لم يمت) الآن (ولكن به) أي بذلك الرجل (جراحًا شديدًا) أشرف بها على الموت، والجِراح بكسر الجيم جمع جراحة بكسرها أيضًا كما في القاموس، وذكر شديدًا مع كونه صفة لجمع مفرده مؤنث نظرًا إلى كونها بمعنى الآثار، لأنها آثار في الجسم، ولأن فعيلًا يستوي فيه المذكر والمؤنث والمفرد والجمع، نظير قوله تعالى {بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} (فلما كان) ذلك الرجل (من الليل) أي في جوف الليل اشتد به الألم و (لم يصبر على) ألم (الجراح فقتل نفسه) وأزهق روحه بذباب سيفه كما سيأتي مبينًا في حديث سهل (فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم) أي أخبره صلى الله عليه وسلم بعض من رأى ذلك الرجل (بذلك) أي بخبر قتل الرجل نفسه (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله) قال الأبي: وتكبيره صلى الله عليه وسلم لا لزيادة إيمانه بل تعجيب للمخاطبين عند ظهور المطابقة لما قاله، لا سيما مع قوله فكاد بعض المسلمين يرتاب.

قال القرطبي: وقوله صلى الله عليه وسلم "الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله" عند وقوع ما أخبر به من الغيب، دليل على أن ذلك من جملة معجزاته، وإن لم يقترن بها في تلك الحال تحدٍّ قولي وهذا على خلاف ما يقوله المتكلمون: أن من شروط المعجزة اقتران التحدي القولي بها، فإن لم يكن كذلك فالخارق كرامة لا معجزة، والذي ينبغي أن يقال إن ذلك لا يُشترط، بدليل أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا كلما ظهر لهم خارق للعادة على يدي النبي صلى الله عليه وسلم استدلوا بذلك على صدقه، وثبوت رسالته، كما قد اتفق لعمر رضي الله عنه حين دعا رسول الله على قليل الأزواد فكثرت،

<<  <  ج: ص:  >  >>