فقال عند ذلك: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، رواه أبو يعلى، وكقول أسامة: أشهد أنك رسول الله، وبدليل الاتفاق على نبع الماء من بين أصابعه، وتسبيح الحصى في كفه، وحنين الجذع من أظهر معجزاته، ولم يصدر عنه مع شيء من ذلك تحديًا بالقول عند وقوع تلك الخوارق ومع ذلك فهي معجزات، والذي ينبغي أن يقال إن اقتران القول لا يلزم، بل يكفي من ذلك قولٌ كليٌّ يتقدم الخوارق، كقول الرسول صلى الله عليه وسلم الدليل على صدقي ظهور الخوارق على يدي، فإن كل ما يظهر على يده منها بعد ذلك يكون دليلًا على صدقه وإن لم يقترن بها واحدًا واحدًا قولٌ، ويمكن أن يقال إن قرينة حاله تدل على دوام التحدي، فيتنزل ذلك منزلة اقتران القول والله أعلم انتهى.
(ثم أمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بلالًا) بن رباح مؤذنه أن ينادي في الناس (فنادى) بلال (في الناس إنه) أي أن الشأن والحال (لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة) أي مؤمنة (وإن الله) سبحانه وتعالى (يويد) أي يعضد ويقوي وينصر (هذا الدين) الإسلامي (بالرجل الفاجر) أي الكافر المنافق كقزمان المذكور.
قوله (ثم أمر بلالًا) قال القرطبي: وأمره بلالًا بالنداء إعلام بأن الإسلام دون تصديق وإن نفع في الدنيا لم ينفع في الآخرة إلا مع التصديق والإخلاص، وتنبيه على وجوب الإخلاص في الجهاد وأعمال البر، وتحذير من الرياء والنفاق.
قوله (فنادى في الناس أنه) يجوز في همزة إن كسرها على تضمين النداء بمعنى القول، وفتحها على عدم التضمين، وقد قرئ في السبع قوله تعالى:{فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ} بفتح الهمزة وكسرها اهـ نووي.
وقوله (إلا نفس مسلمة) أي مؤمنة، لأن الإسلام العريَّ عن الإيمان لا ينفع صاحبه في الآخرة، ولا يدخله الجنة، وذلك بخلاف الإيمان فإن مجرده يُدخل صاحبه الجنة، وإن عُوقب بترك الأعمال، فدل هذا على أن هذا الرجل كان مرائيًا منافقًا، ومما يدل على ذلك وصفه صلى الله عليه وسلم إياه بالفاجر، وهو الكافر كما في قوله تعالى {وَلَا يَلِدُوا إلا فَاجِرًا كَفَّارًا}[نوح: ٢٧] وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة "لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة" شارك المؤلف في روايته البخاري فقط، رواه البخاري في القدر، وفي