وسلم قاله الأبي، وقال القرطبي: وهذا الرجل هو المسمى "مِدْعَمًا" بكسر الميم وسكون الدال وفتح العين وكان عبدًا للنبي صلى الله عليه وسلم فبينا هو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أصابه سهم، فقال الناس: هنيئًا له الجنة، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام اهـ.
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلا) أي ارتدعوا وانزجروا عما قلتم من أن فلانًا شهيدٌ فله الجنة، وكلا حرف ردع وزجر وردٍ لقولهم في هذا الرجل إنه شهيد محكوم له بالجنة من أول وهلة، بل هو في النار بسبب غلوله (إني رأيته) من رأى الثلاثي المبني للفاعل أي أبصرته (في النار) أي في نار جهنم، وفي رواية "إني أريته" من أرى الرباعي المبني للمفعول، قال القرطبي ظاهره أنها رؤية عيان ومشاهدة، لا رؤية منام فهو حجة لأهل السنة على قولهم إن الجنة والنار قد خلقتا ووجدتا، وفيه دليل على أن بعض من يعذب في النار يدخلها ويعذب فيها قبل يوم القيامة، ولا حجة فيه للمكفرة بالذنوب لأنا نقول: إن طائفة من أهل التوحيد يدخلون النار بذنوبهم ثم يخرجون منها بتوحيدهم، أو بالشفاعة لهم كما سيأتي في أحاديث الشفاعة الصحيحة، ويجوز أن يكون هذا الغال منهم.
وهذا موضع الترجمة من الحديث، لأن دخوله النار إما لكفره إن استحل الغلول، أو للتطهير إن لم يستحله (في بردة) أي بسبب بردة أو لأجلها (غلها) أي أخذ تلك البردة من الغنيمة خفية قبل قسمتها، وأو في قوله (أو عباءة) للشك من الراوي، أي أو قال النبي صلى الله عليه وسلم بسبب عباءة غلها من الغنيمة، والغُلول بضم الغين: الخيانة في المغنم خاصة، وقيل الخيانة في كل شيء يقال منه غَلَّ بفتح الغين يغُل بضمها في المضارع، قال ابن قتيبة وغيره الغلول مأخوذ من الغلل، وهو الماء الجاري بين الأشجار، فكان الغال سُمي بذلك لأنه يدخل الغلول في أثناء رحله، فأما الغِل بكسر الغين فهو الحقد والشحناء، قال الأبي: فمن غل الثلاثي حديث "من بعثناه على عمل فغل شيئًا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه" ومن أغل الرباعي حديث "لا إغلال ولا إسلال" فالإغلال: الخيانة، والإسلال: السرقة يقال: (رجل مُغل مُسل) أي خائن سارق.