هجوم المحن المانعة منها السالبة لشرطها المصحح لها الإيمان، كما قال يصبح الرجل مؤمنًا ويُمسي كافرًا، ولا إحالة ولا بعد في حمل هذا الحديث على ظاهره لأن المحن والشدائد إذا توالت على القلوب أفسدتها بغلبتها عليها وبما تؤثر فيها من القسوة والغفلة التي هي الشقاء، ومفاد هذا الحديث الحض على اغتنام الفرصة، والاجتهاد في أعمال الخير والبر عند التمكن منها قبل هجوم الموانع، وفي معنى هذا الحديث ما أخرجه الحاكم في المستدرك (٤/ ٣٠٦) عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه "اغتنم خمسًا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك" وفي معناه أيضًا "حجوا قبل أن يمنع البَرُّ جانبه" وحديث "كان إذا خطب وذكر الساعة رفع صوته واحمرت وجنتاه كأنه منذر جش يقول: صبحكم مساكم" وحديث "من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية إلا إن سلعة الله الجنة".
قال النواوي: معنى هذا الحديث الحث على المبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل تعذرها، والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن الشاغلة، المتكاثرة المتراكمة كتراكم ظلام الليل المظلم لا المقمر، ووصف صلى الله عليه وسلم نوعًا من شدائد تلك الفتن، وهو أنه يمسي مؤمنًا ثم يصبح كافرًا أو عكسه شك الراوي، وهذا لعظم الفتن، ينقلب الإنسان في اليوم الواحد هذا الانقلاب والله أعلم اهـ.
قال القرطبي وقوله (يبيع دينه بعرض من الدنيا) عَرَضُ الدنيا بفتح العين والراء هو طمعها وما يعرض منها، ويدخل فيه جميع المال قاله الهروي، فأما العَرْض بإسكان الراء مع فتح العين فهو خلاف الطول، ويقال على أمور كثيرة، والعِرض بكسر العين وسكون الراء هو نسب الرجل وجسمه وذاته، ومقصود هذا الحديث الأمر بالتمسك بالدين والتشدد فيه عند الفتن، والتحذير من الفتن، ومن الإقبال على الدنيا وعلى مطامعها اهـ.
وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة هذا شارك المؤلف في روايته أحمد (٢/ ٤ ٣٠ و ٥٢٣) والترمذي (٢١٩٦).